كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 6)

2729 - وعن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أحرم ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها)). وقال: ((المدينة خيرٌ لهم لوكانوا يعلمون، لايدعها أحدٌ رغبةٌ عنها إلا أبدل الله فيها من هو خيرٌ منه، ولا يثبت أحد علي لأوائها، وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)) رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فنهي عنه. وقوله: ((ومن وإلي قومًا بغير إذن مواليه)) أي اتخذهم أولياء له، ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطًا؛ لأنه لايجوز له إذا أذنوا له أن يوالي غيرهم، إنما هو بمعنى التوكيد؛ لتحريمه والتنبيه علي بطلانه، والإرشاد إلي السبب فيه؛ لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه، والمعنى إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم؛ فإنهم يمنعونه.
الحديث الثاني عن سعد رضي الله عنه: قوله: ((أن يقطع عضاهها)) هو بدل اشتمال من ((ما بين لابتي المدينة)). وأنث الضمير في ((عضاهها)) بتأويل الأمكنة. ((نه)): اللابة الحرة، وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها، وجمعها لابات، فإذا كثرت فهي اللاب واللوب، مثل قارة وقار وقور، وألفها منقلبة عن واو. ((فا)): اللابة الحرة وجمعها لاب ولوب. والإبل إذا اجتمعت وكانت سوداء سميت لابة، وهي من اللوبان وهي شدة الحر كما أن الحرة من الحر.
قوله: ((وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) ((لو)) إن كانت امتناعية فجوابها محذوف دل عليه ما قبله، هذا إذا كان يجري ((يعلمون)) مجرى اللازم، أي لو كانوا من أهل العلم والمعرفة لعرفوا ذلك وما فارقوا المدينة. وإذا قدر مفعوله، كان المعنى: لو علموا ذلك لما فارقوا المدينة. وإن كانت بمعنى ليت فلا جواب لها. وعلي التقديرين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها عليها؛ لتفويته علي نفسه خيرًا عظيمًا؛ ولذلك قال: ((إلا أبدل الله فيها من هو خير منه)) كما قال تعالي: {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} أي يخلق قومًا سواكم علي خلاف صفتكم راغبين في الإيمان والتقوى غير متولين عنهما.
قوله: ((عضاهها)) ((نه)): العضاه شجر أم غيلان، وهو شجر عظيم له شوك، الواحد عضة بالتاء وأصلها عضهة، وقيل: واحدتها عضاهة. قوله: ((شفيعًا أو شهيدًا)) ((مح)): قيل: ((أو)) للشك، والأظهر أنها للتقسيم؛ لأن الحديث رواه جابر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وغيرهم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاقهم علي الشك، فمعناه يكون شهيدًا للمطيعين منهم وشفيعًا للعاصين، أو شهيدًا لمن مات في حياته وشفيعًا لمن مات بعده. قال القاضي

الصفحة 2052