كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 6)

المساواة بين نفسه وبين آبائه وأجداده الكرام. أقول: لو صرح به لقيل: عبدك وحبيبك، وفي عدم تصريحه به مع رعاية الأدب تنبيه علي تنويهه وجلالة شأنه، وأنه أرفع درجة وأعظم قدرًا. ونحوه قوله تعالي: {تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض- إلي قوله – درجات}
الكشاف: الظاهر أنه أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفي؛ لما فيه من الشهادة علي أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس. وسئل الحطيئة عن أشعر الناس، فذكر زهيرًا والنابغة، تم قال: ولو شئت لذكرت التالت، أراد نفسه، ولو صرح به لم يفخم أمره.
قوله: ((بارك لنا في مدينتنا)): ((مح)): قال القاضي عياض: البركة تكون بمعنى النماء والزيادة، وبمعنى الثبات واللزوم، ويحتمل أن تكون هذه البركة دينية، وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالي في الزكوات والكفارات، فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها لبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وإثباتها، وأن تكون دنيوية من تكثير المكيال والقدر بها، حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلي التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلي كثرة ما يكال بها من غلاتها وأثمارها، أو لا تساع عيش أهلها بعد ضيقه، لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم؛ بتمليك البلاد الخصب والريف بالتام والعراق وغيرهما، حتى كثر الحمل إلي المدينة ووسع عيشهم. وفي هذه كلها ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها. قال الشيخ محيي الدين: والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس المكيل بالمدينة بحيت يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها.
أقول: ولعل الظاهر هو قوله: أو لاتساع عيش أهلها – إلي آخره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة))، ودعاء إبراهيم عليه السلام هو قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}، يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد؛ لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واد يباب، ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء. لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته، فجعله حرمًا آمنًا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه. ولعمري! إن دعاء حبيب الله صلى الله عليه وسلم استجيب لها، وضاعف خيرها علي خيرها، بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم من

الصفحة 2054