كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 7)

2761 - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي علي الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام)). رواه البخاري.

الغبر، فطفق يدعو الله علي هذه الحالة، وعنده أنها من مظان الإجابة، فلا يستجاب له ولا يعبأ ببؤسه وشقائه؛ لأنه ملتبس بالحرام، صارف النفقة من غير حلها. أقول: فإذا كان حال الحاج الذي هو في سبيل الله هذا فما بال غيره؟ وفي معناه أمر المجاهد في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((طوبي لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه)).
قوله: ((وغذى)) ((مح)): هو بضم الغين وكسر الذال المعجمة المخففة، وفي نسخ المصابيح وقعت مقيدة بالتشديد. ((شف)): ذكر قوله: ((وغذى بالحرام)) بعد قوله: ((ومطعمه حرام)) إما لأنه لا يلزم من كون المطعم حرامًا التغذية بها، وإما تنبيهًا به علي استواء حاليه، أعني كونه منفقًا في حال كبره، ومنفقًا عليه في حال صغره في وصول الحرام إلي باطنه، فأشار بقوله: ((ومطعمه حرام)) إلي حال كبره، وبقوله: ((وغذى بالحرام)) إلي حال صغره، وهذا دال علي أن لا ترتيب في الواو، وذهب المظهر إلي الوجه الثاني.
أقول: ولعل العكس أولي؛ لأن قوله: ((وغذى)) وقع حالًا، وهو فعل ماض؛ فلابد من تقدير ((قد)) ليقرب التعدية إلي قول المقدر في ((يا رب)) كما سبق. وكذا قوله: ((ومطعمه وملبسه)) حالان منه، وهما جملتان اسميتان تدلان علي الثبوت والاستمرار، كأنه قيل: يقول: يارب! وقد قرب قوله ذاك بتغذيته بالحرام، وكذا حاله أنه دائم الطعم واللبس من الحرام. وخص من الأزمنة المستمرة زمان حال الدعاء، ومن المذكورين الطعم دون اللبس؛ لأن الطعم أبلغ من اللبس، وفي هذا الزمان أشنع، وإنما قلنا: إنه أبلغ؛ لأنه يصير جزء المغتذي؛ ولذلك عدل عن الطعم إلي التغذية. قوله: ((ولذلك)) يجوز أن تكون الإشارة إلي الرجل، قال الله تعالي: {فاستجبنا له} وأن يكون إلي كون مطعمه ومشربه وملبسه وغذائه حرامًا. ((شف)): فيه إيذان بأن حل المطعم والمشرب مما يتوقف عليه إجابة الدعاء؛ ولهذا قيل: إن للدعاء جناحين، أكل الحلال وصدق المقال.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما أخذ منه)) ((ما)) يجوز أن تكون موصوفة أو موصولة، والضمير المجرور راجع إليها و ((من)) زائدة علي مذهب الأخفش، و ((ما)) منصوب علي نزع الخافض أي لا يبالي بما أخذ من المال. و ((أم)) متصلة. ومتعلق ((من)) محذوف، والهمزة قد سلب عنها معنى الاستفهام وجردت لمعنى الاستواء، فقوله: ((أمن الحلال أخذ أم من الحرام)) في موضع الابتداء، و ((لا يبالي)) خبر مقدم، يعنى الأخذ ومن الحلال ومن

الصفحة 2097