كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 7)

2762 - وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بينٌ، وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات

الحرام مستو عنده، لا يبالي بأيهما أخذ، ولا يلتفت إلي الفرق بين الحلال والحرام، كقوله تعالي: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} أي سواء عليهم إنذارك وعدمه.
الحديث الرابع عن النعمان: قوله: ((الحلال بين)) ((مح)): اتفق العلماء علي عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده؛ فإنه أحد الأحاديت التي عليها مدار الإسلام، قيل: هي ثلاثة: أحاديث ((الأعمال بالنية))، وحديث ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، وهذا الحديث، وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه علي صلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأن يكون حلالًا، وأرشد إلي معرفة الحلال بأن أوضح ذلك بضرب المثل بالحمى، وأتم ذلك ببيان منبع الصلاح والفساد ومعدنهما.
فقوله: ((الحلال بين والحرام بين)) معناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفي حله كالخبز والفواكه وغير ذلك من المطعومات، وكذلك الكلام والنظر والنكاح والمشي وغير ذلك من التصرفات، وحرام بين، كالخمر والخنزير والميتة والدم المسفوح، وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلي الأمرد وإلي الأجنبية وأشباه ذلك، والمتشابه هو الذي يحتمل الأمرين، فاشتبه علي الناظر بأيهما يلحق، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يعلمهن كثير من الناس)) وفيه أنه يعلمها قليل من العلماء الراسخين بنص أو قياس أو استصحاب وغير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص أو إجماع، اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار حلالًا أو حرامًا، فإذا فقد هذه الدلائل فالورع تركه؛ لأنه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه)).
وللعلماء في هذا ثلاثة مذاهب، والظاهر أنه مخرجٌ علي الخلاف المعروف في حكم الأشياء قبل ورود الشرع، والأصح أنه لا يحكم بحل ولا حرمة ولا إباحة؛ لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع. والثاني أن حكمه التحريم، والثالث الإباحة. ((نه)): جملة الشبهة العارضة في الأمور قسمان: أحدهما ما لا يعرف له أصلٌ في تحليل ولا تحريم، فالورع تركه، والثاني: أن يكون له أصل في التحليل والتحريم، فعليه التمسك بالاصل ولا يترك عنه إلا بيقين وعلم. ((قض)): إن الله تعالي بين الحلال والحرام، بأن مهد لكل منهما أصلًا، يتمكن الناظر المتأمل فيه من استخراج أحكام ما يعن له من الجزئيات، ويعرف أحوالها، لكن قد يقع في الجزئيات ما يقع فيه الاشتباه، لوقوعه بين الأصلين ومشاركته لأفراد كل منهما من وجه، فينبغي أن لا

الصفحة 2098