كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)
محمد! والله ما كان علي وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، ووالله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم، واختصره البخاري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((أبغض إلي من وجهك)) وجد بالرفع علي أنه صفة وجه وهو اسم ((كان)) و ((علي وجه الأرض)) خبره، وهذا ليس بصحيح؛ لأن قوله: ((أحب الوجوه)) خبر ((أصبح)) قطعاً، وقد قوبل، به؛ ولأن ((أبغض)) في القرينتين الأخيرتين وقع خبراً ((لكان))؛ ولأنه أخبر عن الوجه بالأبغضية لا أن وجها أبغض كائنا علي وجه الأرض، فإذا قلنا: بجواز وقوع الحال عن اسم ((كان)) فقوله: علي وجه الأرض)) كان صفة لقوله: ((وجه)) فقدم فصار حالا، وإذا منعناه قلنا: إنه ظرف لغو قدم للاهتمام ليؤذن في بدء الحال باهتمام العموم والشمول، كما في قوله: {والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ}.
قوله: ((فبشره)) ((مح)): بشره بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام وأنه يهدم ما كان قبله – قوله: ((أصبوت)) وهو مهموز. ((فا)): صبأ إذا خرج من دين إلي دين، صبأ ناب البعير إذا طلع وصبأ النجم.
قوله: ((فقال: لا)) فإن قلت: كيف قال: ((لا)) وهو قد خرج من الشرك إلي التوحيد؟ قلت: هو من الأسلوب الحكيم، كأنه قال: ما خرجت من الدين لأنكم لستم علي دين، فأخرج منه بل استحدثت دين الله، وأسلمت مع رسول اله صلى الله عليه وسلم رب العالمين.
فإن قلت: ((مع)) تقتضي استحداث المصاحبة؛ لأن معنى المعية المصاحبة وهي مفاعلة، وقد قيد الفعل بها فيجب الاشتراك فيه كذا نص عليه صاحب الكشاف في الصافات. قلت: لا يبعد ذلك فلعله صلى الله عليه وسلم وافقه فيكون منه صلوات الله عليه استدامة، ومنه استحداثاً. وقوله: ((ولا والله)) لا يقتضي منفياً، والواو معطوفاً عليه أي لا أوفقكم في دينكم ولا أرفق: بكم في هذه السنين المجدبة، ثم أقسم عليه بقوله: ((والله لا يأتيكم من اليمامة)).
((حس)) فيه دليل علي جواز المن علي الكافر وإطلاقه بغير مال. ((مح)): فيه جواز ربط
الصفحة 2741
4467