كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)
الله ورسوله فيعطيك سلبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق فأعطه)) فأعطإنيه، فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يمتنع اجتماع أن الناصبة مع الفاء في جواب الأشياء الستة، وليست الفاء عوضا من حرف النصب، وإنما نشأ هذا الحكم الوهمي من أن العوض والمعوض عنه لا يصح اجتماعهما، فذهب الوهم إلي العكس الكلي وليس كذلك. ثم قال الخليل: ((ذا)) في ((لا ها الله ذا)) وفي ((ها لعمر الله ذا)) مقسم عليه، وأصله: والله للأمر هذا، فقدم ((ها)) وجعل عوضا عن الواو لكثرة القسم بالله. وقال الأخفش: هو من جملة القسم تكيد له كأنه قال: ذا قسمي لأمرين الأول: أنهم يذكرون المقسم عليه بعده نحو لاها الله ذا لقد كان كذا، وهذا يدل علي أنه من جملة القسم.
الثاني: أنهم يأتون بالمقسم عليه منفيا، ولو كان ذا من المقسم عليه وهو مثبت لكان المقسم عليه إذا ذكر طائفة في الإثبات.
قال الحاجبي: كلا القولين باطل، أما قول الخليل فلأن المقسم عليه علي ما قاله في هذا الكلام مثبت، وقد علم بالاستقراء أنه منفي؛ إذ لا نزاع في أن ((لا)) في ((لا ها الله)) للنفي. وأما قول الأخفش فلأنه أيضا قدره مثبتا، وأجاز حذفه بأسره، وهو خلاف الأصل وجعل ((ذا)) إشارة إلي القسم ولم يوجد له نظير في كلامهم. ثم قال: والمستقيم أن يجعل ذا مقسم عليه لا علي ما ذكره الخليل، بل علي معنى ((لا ها الله)) يكون الأمر، فيسلم من المحذورات المتقدمة. قال الدار الحديثي [استقراؤهما] * أقوى من استقرائه. ونص الزمخشري أن ((لا)) في ((لا ها الله)) زائدة للتوكيد، كقوله تعالي: {لا أُقْسِمُ} كما قال الخليل والأخفش، وما ورد في هذا الحديث حمله بعض النحويين علي أنه غلط من بعض الرواة، إذ العرب لا تستعمل ((لا ها الله)) بدون ((ذا)) وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع ((إذن))؛ لأنه للجزاء. وهو ها هنا علي نقيضه ومقتضى الجزائية أن لا يذكر ((لا)).
ويقال: إذا ((يعمد إلي أسد)) ليصح جوابا لطالب السلب، وليس بعامل فقالوا: الظاهر أن الحديث ((لا ها الله إذا لا تعمد)) فصحف ثم نقل كذلك، قال: الحديث صحيح، ولا يجب أن تلازم ذا ها القسم كما لا يجب أن تلازم ذا ها غيرها من حروفه. وتحقيق الجزائية (بإذن لا تعمد) أصح؛ إذ معناه إذا صدق أسد غيرك لا يعمد النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال حقه وإعطاء سلبه إياك. أقول: وفي شرح مسلم للشيخ محيي الدين عن أبي زيد ما يشعر بأن ((إذن)) زائدة، ونظيره في الزيادة قول الحماسي: إذا لقام بنصري.
قال أبو البقاء: قيل: جواب لو لم تستبح. وقوله: ((لقام)) بدل منه. فيكون التقدير: والله لا يعمد إلي أسد، كقولك: والله إذن لا أفعل. والعجب من الذين يعتنون بشرح الحديث، كيف يرجحون نقل بعض الأدباء علي أولئك الجهابذة من المحدثين وينسبون الغلط والتصحيف إليهم. ولا أقول: عم أعدل وأتقن ونقلهم أوثق؛ إذ هو يقتضي المشاركة بينهم. ولله در الدار الحديثي حيث ذب عنهم بما هو الحق الصريح والصدق المحض.
الصفحة 2758
4467