كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)

أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت – يعن النار – لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولا، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعها، فجاءت النار فأكلتها)). زاد في رواية: ((فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأي ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا)). متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علي معنى أراد أن يغزو فقال، يدل عليه قوله: [((لا يبتغي))] *، والبضع يطلق علي عقد النكاح والجماع معا وعلي الفرج. والخلفات جمع الخلفة بفتح الخاء وكسر اللام الحامل من النوق. وأخلفت إذا حملت، ويحتمل أن يرجع الضمير في ((ولادها)) إلي الطائفتين من الغنم والإبل علي سبيل التغليب. قوله: ((فدنا)) كذا في البخاري، وفي مسلم (فأدنى)).
((مح)) **: هكذا في جميع النسخ بهمزة القطع، وكذا عن القاضي عياض أيضا إما أن يكون تعدية ((لدنا)) أي قرب أدنى جيوشه إلي القرية، وإما أن يكون بمعنى حان أي حان فتحها من قولهم: أدنت الناقة إذا حان وقت نتاجها ولم يقل في غير الناقة. ((نه)): ((فأدنى بالقرية)) هكذا جاء في مسلم وهو افتعل من الدنو، وأصله ادتنى فأدغم التاء في الدال.
قوله: ((فحبست)) ((مح)): قال القاضي عياض: اختلفوا في حبس الشمس فقيل: ردت علي أدراجها. وقيل: وقفت بلا رد، وقيل: بطء تحركها، وذلك من معجزات النبوة. قال: ويقال: إن الذي حبست عليه يوشع بن نون عليه السلام. وقال القاضي: قد روى أن نبينا صلى الله عليه وسلم حبست له الشمس مرتين: إحداهما: يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردها الله تعالي عليه حتى صلي العصر. قاله الطحاوي وقال: رواته ثقات، والثانية: صبيحة الإسراء حتى انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس.
قوله: ((فلم تطعمها)) ((مح)): وكانت عادة الأنبياء صلوات الله عليهم أن يجمعوا الغنائم فتجيء نار من السماء فتأكلها علامة لقبولها وعدم الغلول فيها؛ وكذلك كان أمر قرابينهم، وفيه أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلي أولي الحزم وفراغ البال لها، ولا تفوض إلي متعلقي القلب بغيرها؛ لأن ذلك يضعف عزمه. وفيه إباحة الغنائم لهذه الأمة زادها الله شرفا وأنها مختصة بذلك.

الصفحة 2779