كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)

الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينا هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، ثم أتاه عروة بن مسعود. وساق الحديث إلي أن قال: إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)). فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك؛ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب: محمد بن عبد الله)) فقال سهيل: وعلي أن لا يأتيك منا رجل وإن كان علي دينك إلا رددته علينا. فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا)) ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية، فنهاهم الله تعالي أن يردوهن، وأمرهم أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأثمد الرجل إذا ورد الثمد، وسمى قوم صالح ثمود لنزولهم علي ثمد. والظاهر أنه أراد به محله علي سبيل المجاز؛ ليحسن وصفه بقليل الماء.
قوله: ((يتبرضه)) ((نه)): أي يأخذه الناس قليلا قليلا، والبرض الشيء القليل، وكذلك البراض بالضم، يقال: ماء برض أي قليل، والجمع براض وبروض وأبراض.
قوله: ((يجيش)) أي يفور ماؤه ويرتفع.
قوله: ((بالري)) أي بما يرويهم أو بالماء الكثير من قولهم: عين رية أي كثيرة الماء. قوله: ((ما قاضى)) ((نه)): هو فاعل من القضاء أي الفصل والحكم؛ لأنه كان بينه وبين أهل مكة، وأصل القضاء القطع والفصل يقال: قضى يقضي قضاء قاض إذا حكم وفصل.
قوله: ((قوموا فانحروا)) ((شف)): فيه دليل علي أن من أحرم بحج أو عمرة فأحصر فإنه ينحر الهدي مكانه ويحل، وإن لم يكن بلغ هديه الحرم. قوله: ((أن يردوا الصداق)) أي الصحابة صداقهن إلي أزواجهن من المشركين.
((حس)): اختلفوا في أن الصلح هل وقع علي رد النساء أم لا؟. قيل: إنه وقع علي رد الرجال والنساء جميعا لما روينا: ((أنه لا يأتيك منا أحد إلا رددته))، ثم صار الحكم في النساء منسوخا بقوله تعالي: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلي الكُفَّارِ}. وقيل: إن الصلح لم يقع علي رد

الصفحة 2785