كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)
يردوا الصداق، ثم رجع إلي المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فدفعه إلي الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة، نزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذه يا فلان جيدا، أرني انظر إليه. فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لقد رأي هذا ذعرا)) قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد)) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النساء؛ لقوله في هذا الحديث: ((لا يأتيك منا رجل)) وذلك لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة.
قوله: ((حتى برد)) ((قض)): أي مات، ويقال: برده فلان إذا قتله علي سبيل الكناية؛ فإن البرودة من توابع الموت ولوازمه، ومنه السيوف البوادر. قوله: ((لقد رأي هذا ذعرا)) أي ما خاف منه. قوله: ((ويل أمة)) ((نه)): الويل في الأصل الحزن والمشقة والهلاك، وقد يرد الويل بمعنى التعجب وهو المراد هاهنا، وقيل: ((وى)) كلمة مفردة ولامه مفردة، وهي كلمة تفجع وتعجب. وحذفت الهمزة من أمه تخفيفا، وألقيت الحركة علي اللام. والمسعر والمسعار ما تحرك به النار من آلة الحديد، يقال: سعرت النار الحرب إذا أوقدتههما يصفه بالمبالغة في الحرب والنجدة. ((قض)): لما شبه الحرب بالنار مثل الذي يهيجه بمسعر التنور.
أقول: تقريره أنه شبه الحرب بالنار الهامدة تشبيها بليغا، ثم أثبت للحرب ما يلازم النار من المسعر؛ ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة. ولما كانت القرينة في الاستعارة المكنية مستعارة. قيل: مثل أي شبه أبو بصير بالمسعر ثم حذف المشبه وأقيم المشبه به مقامه.
قوله: ((عرف أنه سيرده)) ((قض)): إنما عرف ذلك من قوله: ((مسعر حرب لو كان له أحد)) فإنه يشعر بأنه لا يؤويه ولا يعينه، وإنما خلاصة عنهم بأن يستظهر بمن يعينه علي محاربتهم.
أقول: قد سبق أن أبا بصير شبه بالمسعر، ووجه التشبيه إثارة ما هو ساكن، وهذا المعنى في المشبه، هو إثارة الحرب الساكنة بالمهادنة، (ولو) يقتضي الجواب، والسابق يدل عليه، يعني إن فرض له معين وناصر لأثار الفتنة وأفسد الصلح، فعلم من هذا أنه سيرده إليهم.
قوله: ((سيف البحر) أي ساحله، والإضافة لمجرد البيان لا للعهد. الأساس: قال: نزلوا بالسيف بالساحل وهم أهل أسياف وأرياف. والعير يقال للإبل بأحمالها. قوله: ((تناشده
الصفحة 2786
4467