كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)

((انطلقوا إلي يهود)) فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس, فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر يهود! أسلموا تسلموا, اعلموا أن الأرض لله ولرسوله, وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض, فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه)) متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفعال من الدراسة إما للمبالغة كالمكثار والمعطار, والمراد به صاحب دراسة كتبهم التي يدارسها الناس, وإما بمعنى المدرس, والمراد به الموضوع الذي يقرأ فيه أهل الكتاب كتبهم ويدرسونها فيه. وإضافة البيت إليه كإضافة المسجد إلي الجامع, ويدل علي المعنى الثاني أن بعض روايات الصحاح: ((حتى أتى المدارس)) وفيه ((إني أريد أن أجليكم)) أي أخرجكم من منازلكم هذه, والخطاب مع من بقي في المدينة وحرماتها بعد قتل قريظة وإجلاء بني النضير كيهود بني قينقاع؛ فإن إجلاء بني النضير كان في السنة الرابعة من الهجرة, وقتل قريظة في خامستها وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة, فيكون ما ذكره بعد ذلك بسنتين.
قوله: ((أسلموا)) جملة مستأنفة فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاطبهم بقوله: ((أسلموا تسلموا)) اتجه لهم أن يقولوا: لماذا تخاطبنا بهذا وما سنح لك من الرأي؟. قال: ((أسلموا)) فقوله: ((تسلموا)) من العلم الذي خص منه البعض بقينه الحال, أي تسلموا من الإجلاء, وفائدته أن أول ما تسلمون من الآفات هو الإجلاء ومفارقة الأوطان المألوفة التي هي أشد البلاء؛ ومن ثم فسر قوله تعالي: {والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ} بالإخراج من الوطن؛ لأنه عقب بقوله: {وأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} وأنشد:
لقتل بحد السيف أهون موقعا علي النفس من قتل بحد فراق
وقال:
يقولون: إن الموت صعب وإنما مفارقة الأوطان والله أصعب
ومعنى قوله: ((إن الأرض لله ولرسوله)) كما في قوله تعالي: {إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي أرضكم هذه تعلقت مشيئة الله تعالي بأن يورثها المسلمين ففارقوها. وإنما أسند الإجلاء إلي نفسه صلوات الله عليه؛ لأنه خليفة الله في أرضه تعظيما لشأنه, وأن إجلاءه إجلاؤه تعالي, نحو قوله تعالي: {قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ} والباء في ((بماله)) للبدل كما في قولهم: بعت هذا بهذا
((مظ)): أي فمن وجد شيئا مما لا يتيسر له نقله, فليبعه مثل الأرض والأشجار. ((خط)): استدل بهذا الحديث أبو عبد الله البخاري في جواز بيع المكره, وهذا ببيع المضطر أشبه, فأما

الصفحة 2794