كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 9)

4116 - وعن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألقوها وما حولها وكلوه)). رواه البخاري.
4117 - وعن ابن عمر، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين، والأبتر فإنهما يطمسان البصر، ويستسقطان الحبل. قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية أقتلها، ناداني أبو لبابة: لا تقتلها. فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات. فقال: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت، وهن العوامر. متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
((حس)): وفيه دليل على أن الذباب طاهر، وكذلك أجسام جميع الحيوانات إلا ما دلت عليه السنة من الكلب والخنزير. وفيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة، إذا مات في ماء قليل أو شراب لا ينجسه، وذلك مثل الذباب والنمل العقرب والخنفساء والزنبور ونحوها؛ وهذا لأن غمس الذباب في الإناء قد يأتي عليه، فلو كان ينجسه إذا مات فيه لم يأمره بالغمس؛ للخوف من ننجيس الطعام، وهذا قول عامة الفقهاء.
الحديث الثالث عشر من ميمونة: قوله: ((أن فأرة وقعت في السمن)) ((حس)): فيه دليل على أن غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة تنجس، قل ذلك المائع أو كثر، بخلاف الماء حيث لا ينجس عند الكثرة ما لم يتغير بالنجاسة. واتفقوا على أن الزيت إذا مات فيه فأرة أو وقعت فيه نجاسة أخرى، أنه ينجس ولا يجوز أكله. وكذلك لا يجوز بيعه عند أكثر أهل العلم، وجوز أبو حنيفة بيعه. واختلفوا في الانتفاع به، فذهب جماعة إلى أنه لا يجوز الانتفاع به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فلا تقربوه)) وهو أحد قولي الشافعي، وذهب قوم إلى أنه يجوز الانتفاع به بالاستصباح وتدهين السفن ونحوه. وهو قول أبي حنيفة، وأظهر قولي الشافعي. والمراد قوله: ((فلا تقربوه)) أكلا وطعما لا انتفاعا.
الحديث الرابع عشر عن ابن عمر: قوله: ((ذا الظفيتين)) ((نه)): الطفية خوصة المقل في الأصل. وجمعها طفي، شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل.
قوله: ((والأبتر)) قيل: هو الذي يشبه المقطوع الذنب لقصر ذنبه، وهو من أخبث ما يكون من الحيات. قوله: ((يطمسان)) ((قض)): أي يعميان البصر ويسقطان الحبل عند النظر إليهما بالخاصية، جعل ما يفعلان بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وطلب، وفي خواص الحيوان عجائب لا تنكر. وقد ذكر في خواص الأفعى أن الحبل يسقط عند موافقة النظرين، وفي خواص بعض الحيات أن رؤيتها تعمى.
((مح)): ((يطمسان البصر)) يخطفانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله تعالى في بصرها إذا وقع على بصر الإنسان. ويؤيد هذه الرواية الأخرى لمسلم: ((يخطفان)).

الصفحة 2822