كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 11)

5745 - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه ترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار، يتعجبون من حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة، فكنتُ أنا سددت موضع اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل)). وفي رواية: ((فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)). متفق عليه.
5746 - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)) متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مثلي ومثل الأنبياء)) هذا من التشبيه التمثيلي، شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشادهم الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر شيد بنيانه وأحسن بناؤه، ولكن ترك منه ما يصلحه وما يسد خلله من اللبنة، فبعث نبينا لسد ذلك الخلل مع مشاركته إياهم في تأسيس القواعد ورفع البنيان، هذا على أن يكون الاستثناء منقطعاً، ويجوز أن يكون متصلاً من حيث المعنى إذ حاصل الكلام: تعجبهم المواضع إلا موضع تلك اللبنة، وليس ذلك المصلح إلا ما اختص به من معنى المحبة، وحق الحقيقة الذي يعتنيه أهل العرفان.
وقوله: ((أنا سددت موضع اللبنة)) يحتمل وجهين: أن يكون الساد بلبنة ذلك الموضع، وأن يسده بنفسه ويكون بمنزلة اللبنة، ويؤيد هذا الرواية الأخرى من قوله: ((فأنا اللبنة)).
الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما من الأنبياء من نبي)) من فيه بيانية، ومن الثانية زائدة تزاد بعد النفي، و ((ما)) في ((ما مثله)) موصولة وقعت مفعولاً ثانياً لأعطى، و ((مثله)) مبتدأ، و ((آمن)) خبره، والجملة صلة الموصول، والراجع إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال، أي مغلوباً عليه في التحدي والمباراة، والمراد بالآيات المعجزات، وموقع المثل هنا موقعه في قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} أي مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، يعني: ليس نبي من الأنبياء إلا قد أعطاه الله تعالى من المعجزات الدالة على نبوته الشيء الذي من صفته أنه إذا شوهد اضطر المشاهد إلى الإيمان به، وتحريره أن كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خارق العادات بحسب زمانه، فإذا انقطع زمانه انقطعت تلك المعجزة، كقلب العصا ثعباناً في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، وإخراج اليد البيضاء، لأن الغلبة في زمنه للسحر فآتاهم بما هو فوق السحر واضطر إلى الإيمان، وفي زمن

الصفحة 3634