كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 2)

فأخبرني عن أماراتها. قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاةَ العُراةَ العالةَ رعاء
الشاء ـــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعلم أن الضمير في (عنها) راجع إلى الساعة، فلا بد من تقدير مضاف في السؤال
والجواب، نحو وقت وأيان؛ إذ وجود الساعة ومجيؤها مقطوع به، وإنما يسأل عن وقتها، كقوله
تعالى (يسئلونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها) أي في وقت أي شيء أنت
من أن تذكر وقتها لهم يعني ما أنت من ذكراها لهم وبتبيين وقتها في شيء. فإن قلت:
لفظة: (أعلم) مشعرة بوقوع الاشتراك في العلم، وأحدهما أزيد من الآخر، وهما يتساويان في
انتفاء العلم منهما. فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - نفى أن يكون صالحاً لأن يسأل عنه على سبيل الكناية، لما
عرف أن المسئول في الجملة ينبغي أن يكون أعلم من السائل، فهو من باب قوله تعالى: (ولا
شفيع يطاع) ويقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - نفى عن نفسه العلم بالمسئول عنه بوجه خاص، تلخيصه: أنا
متساويان في أنا نعلم أن للساعة مجيئا في وقت ما من الأوقات، وذلك هو العلم المشترك بيننا،
ولا مزيد للمسئول على هذا العلم حتى يتعين عنده المسئول عنه، وهو الوقت المتعين الذي يتحقق
فيه مجيء الساعة.
قوله: (الله ورسوله أعلم) فهو على بابه؛ لأن الأمارة السابقة وتعجبهم منها أوقعتهم في
التردد، أهو بشر أم ملك؟ وهذا القدر يكفى في الشركة.
قوله: (أن تلد الأمة ربتها) الرب مشترك بين المالك والمربى، قال صاحب الأساس: ربَّ
الدار وربَّ العبد وربَّ ولده تربيته. (قال) الجوهري: رب كل شيء مالكه، (قال) الكشاف
الرب المالك، ومنه قول صفوان لأبى سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن
يربني رجل من هوازن. هذا هو المعني في الحديث.
فإن قيل: كيف أطلق الرب علي غير الله تعالى وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك في قوله: (لا يقل
أحدكم أطعم ربك، وأرض ربك، ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي
ومولاي).،والجواب أن هذا من باب التشديدوالمبالغة، كما سنقرره.
(تو): فسر هذا القول كثير من العلماء على أن السبي يكثر بعد اتساع رقعة الإسلام،
فيستولد الناس إماءهم، فيكون الولد كالسيد لأمه؛ لأن ملك الأمة راجع في التقدير إلى الولد،
وذكر بلفظ التأنيث وأراد به النسمة؛ ليشتمل الذكور والإناث، أو كره أن يقول: ربها؛ تعظيما
لجلال رب العباد، أو أراد البنت، وإذا كانت هكذا فالابن أولى.
ــــــــــــــــ

الصفحة 432