كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 2)

ــــــــــــــــــــــــــــ
الفرزدق حضر جنازة، فسأله بعض أئمة أهل البيت (رضي الله عنهم) يا فرزدق! ما أعددت لمثل هذه الحالة؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، فقال: هذا العمود، فأين الأطناب؟ هذا على أن يكون استعارة تمثيلية؛ لأنها وقعت في حالتي الممثل والممثل به، ويجوز أن تكون الاستعارة تبعية، بأن يقدر الاستعارة في (بني) والقرينة الإسلام)، شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل. وأن تكون مكنية، بأن تكون الاستعارة في الإسلام، والقرينة (بني) على التخييل، ثم خيل ما يلازم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو ملازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية، ثم نسب إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.
فظهر من هذا التحقيق أن الإسلام غير، والأركان غير. كما أن البيت غير، والاعمدة غير، ولا يستقيم ذلك إلا على مذهب أهل السنة؛ فإن الإسلام عبارة عن التصديق بالجنان، والقول باللسان، والعمل بالأركان. وعلى هذا حديث الإيمان،. ولهذا السر عقب محيي السنة بهذا الحديث حديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) وفيه أن أعلى شعبها (قول: لا إله إلا الله). وكما شبه الإسلام في الحديث الأول بخباء ذات أعمدة وأطناب، شبه الإيمان في الثاني بشجرة ذات أغصان وشعب، وإيرادها بعد حديث جبرئيل (عليه السلام) يحقق ما قررناه من أن الإصطلاح حصل بعد الاستعمال.
الحديث الثالث عن أبي هريرة (رضي الله عنه): قوله: (بضع وسبعون) البضع القطعة من الشيء، وهي في العدد ما بين الثلاث إلى التسع؛ لأنه قطعة من العدد، والشعبة غصن الشجر، وفرع كلأصل. (وأدناها) أي أقربها منزلة وأدونها مقداراً، من الدنو بمعنى القرب، يقال: فلان أدنى القدر، وقريب المنزلة، كما يعبر بالبعيد عن ضد ذلك فيقال: فلان بعيد الهمة، وبعيد المنزلة، بعنى رفيع العالي، ولذلك استعمله في مقابلة في مقابلة الأعلى. (وإماطة) الشيء عن الشيء إذا أزاله عنه، وأذهبه، و (الأذى) في الحديث اسم ما يؤذي الناس، نحو الشوك، والحجر، والطين، وما أشبهها. فإن قلت: ما معنى الفاء في (فأفضلها)؟ قلت: هي جزاء شرط محذوف، كأنه قيل: إذا كان الإيمان ذا شعب يلزم التعدد، وحصول الفاضل والمفضول، بخلافه إذا كان أمرًا واحدًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصفحة 438