كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 2)

(قض): (الحياء) تغيير وانكسار يعتري المرء من خوف ما يلام به قيل هو مأخوذ من الحياة، وكأن الحيي صار لما يعتريه من التغيير والانكسار، مؤوف الحياة، منكسر القوى، ولذلك قيل مات حياء وجمد في مكانه خجلا. وإنما أفرده بالذكر لأنه كالداعي والباعث إلى سائر الشعب، فإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا، وفظاعة الأخرة، فينزجر عن المعاصي، فصار من الإيمان، إذ الإيمان ينقسم إلى ائتمار لما أمر الله به وانتهاء عما نهى عنه.
(قض): قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بضع وسبعون) يحتمل أن يكون المراد به التكثير دون التعديد، كما في قوله (تعالى): (إن تستغفر لهم سبعين مرة) واستعمال لفظة السبعة والسبعين للتكثير كثيرة، وذلك لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فإنه ينقسم إلى فرد وزوج، وكل منهما إلى أول ومركب، والفرد الأول ثلاثة، والمركب خمسة، والزوج الأول اثنان، والمركب أربعة، وينقسم أيضًا إلى منطقة كالأربعة، وأصم كالستة، والسبعة يشتمل على جميع هذه الأقسام. ثم إن أريد مبالغة جعلت آحادها أعشارا، ويحتمل أن حاصلها يرجع إلى أصل واحد، وهو تكميل النفس على وجه يصلح معاشه، ويحسن معاده، وذلك بأن يعتقد الحق، ويستقيم في العمل، وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لسفيان حين سأله في الإسلام قولا جامعًا: (قل: آمنت بالله: ثم استقم).
وفنون اعتقاد الحق ينشعب ستة عشر شعبة: طلب العلم، ومعرفة الصانع، وتنزيه عن النقائص، وما يتداعى إليها، والإيمان بصفات الإكرام، مثل الحياة، والعمل، والقدرة، والإقرار بالوحدانية، والاعتراف بأن ما عداه صنعه لا يوجد، ولا يعدم إلا بقضائه وقدره، والإيمان بالملائكة المتطهرة عن الرجس، وتصديق رسله المؤيدين بالآيات في دعوى النبوة، وحسن الإعتقاد فيهم، والعلم بحدوث العالم، واعتقاد فنائه على ما ورد به التنزيل، والجزم بالنشأة الثانية، وإعادة الأرواح إلى لاجساد، والإقرار باليوم الآخر، أعني بما فيه من الصراط والحساب، وموازنة الأعمال، وسائر ما تواتر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والوثوق على وعد الجنة وثوابها، واليقين بوعيد النار وعقابها.
وفن العمل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها يتعلق بالمرأ نفسه، وهو ينقسم إلى قسمين: أحدهما ما يتعلق بالباطن، وحاصله تزكية النفس عن الرذائل، وأمهاتها عشرة: شره الطعام، وشره الكلام، والبخل، والكبر، وحب المال، وحب الجاه، وحب الدنيا، والحقد والحسد، والرياء، والعجب، وتحلية النفس بالكمالات، وأمهاتها ثلاثة عشرة: التوبة، والخوف، والرجاء، والزهد، والحياء والشكر، والوفاء، والصبر، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والتوكل، والرضى بالقضاء، وثانيها ما يتعلق بالظاهر، ويسمى العبادات، وشعبها ثلاث عشرة: طهارة البدن عن الحدث والخبث، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بأمر الجنايز، وصيام رمضان، والاعتكاف، وقراءة القرآن، وحج البيت، والعمرة، وذبح الضحايا، والوفاء بالنذكر، وتعظيم الإيمان وأداء الكفارات.

الصفحة 439