كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 2)

6 - وعن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمُ من سلم المسلمون
من يده، والمهاجرُ من هجر ما نهى الله عنه) هذا لفظ البخاري. ولمسلم قال:
(إن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه
ويده).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورزق الطبع السليم إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب، كأنه يقول: هذه شعبة
واحد من شعبه، فهل تحصى وتعد شعبها؟ هيهات! إن البحر لا ينزف.
وكفى بهذا الحديث شاهداً على أن الإيمان جامع للتصديق والإقرار والأعمال، ومن رده كابر
عقله. وظهر من هذا معنى التكثير في سبعين، ولخص بعض المفسرين قول علي بن عيسى
النحوي في ذلك وقال: السبعة أكمل الأعداد! لأن الستة أول عدد تام؛
لأنها تعادل أجزاؤها، فإن نصفها ثلاثة، وثلثها اثنان، وسدسها واحد، وجملتها ستة سواء،
وهي مع الواحد سبعة، وكانت كاملة؛ إذ ليست بعد التمام سوى الكمال، ولعل واضع اللغة
يسمى الأسد سبعاً لكمال قوته، كما أنه أسد لإساده في السير، ثم السبعون غاية الغاية؛ إذ
الآحاد غايتها العشرات. انظر أيها المتأمل، في هذه الألفاظ القليلة المستقلة بالمعاني الجمة الجليلة،
واشهد له أنه - صلى الله عليه وسلم - أوتى كنوز الحكمة، وفصل الخطاب.
الحديث الرابع عن عبدالله (رضي الله عنه): قوله: (المسلم من سلم المسلمون) فإن قلت:
إذا سلم المسلمون منه يلزم أن يكون مسلما وإن لم يأت بسائر الأركان؟ قلت: هذا وارد على
سبيل المبالغة تعظيما لترك الإيذاء، كأن الإيذاء هو نفس الإسلام الكامل، ولعل واضع اللغة يسمى الأسد سبعاً لكمال قوته، كما أنه أسد لإساده في السير، ثم السبعون غاية الغاية؛ إذ الآحاد غايتها العشرات. انظر أيها المتأمل، في هذه الألفاظ القليلة المستقلة بالمعاني الجميلة الجليلة، واشهد له أنه - صلى الله عليه وسلم - أوتي كنوز الحكمة، وفصل الخطاب.
الحديث الرابع عن عبدالله (رضي الله عنه): قوله: (المسلم من سلم المسلمون). فإن قلت: إذا سلم المسلمون منه يلزم أن يكون مسلما وإن لم يأت بسائر الأركان؟ قلت: هذا وارد على سبيل المبالغة تعظيما لترك الإيذاء، كأن ترك الإيذاء هو نفس الإسلام الكامل، وهو محصور فيه على الإدعاء كرماد. (حس): أراد أن المسلم الممدوح والمهاجر من هذه صفته، لا أن الإسلام ينتفي عمن لم يكن بهذه الصفة، فهو كقولهم: الناس العرب، والمال الإبل، يريدون أن الأفضل منهما ذلك، وكذلك أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله (تعالى) أداء حقوق المسلمين، والكف عن أعراضهم، وأفضل المهاجرين من جمع إلى هجران وطنه هجران ما حرم الله عليه. وأقول: تحقيقه أن التعريف في المسلم والمهاجر للجنس، قال ابن جني: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس، ألا ترى كيف سموا الكعبة بالبيت؟ وكتاب سيبويه بالكتاب؟ (غب): كل اسم نوع فإنه يستعمل على وجهين: أحدهما: دلالة على المسمى وفصلا بينه وبين غيره. والثاني: لوجود المعنى المختص به، وذلك هو الذي يمدح به، وذلك أن كل ما اوجده الله في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص, ولا يصلح لذلك العمل سواه، كالفرس

الصفحة 441