كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 3)

والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو: فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)). رواه مسلم. [281]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{يسعى نورهم بين أيديهم}. وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق، لفراغ القلب فيها، وإقباله علي الله ظاهراً وباطناً، وقيل: النور هو السيماء في وجه المصلي من أثر السجود.
((والصدقة برهان)) معناه يفزع إليها كما يفزع إلي البرهان، فإن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في الجواب. وقيل: يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهاناً، فلا يسأل عن المصرف. وقيل: معناه أنها حجة علي إيمان فاعلها، فإن المنافق يمتنع منها؛ لكونه لا يعتقدها، قال الله تعالي: {الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم}، والمعنى بـ ((الصبر)) الصبر علي طاعة الله وعلي اجتناب معصيته، وعلي النائبات والمكاره، أي لا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً علي الصواب.
وقوله: ((القرآن حجة)) معناه أنه ينتفع إن تلاه وعمل به، وإلا فهو وبال عليه.
وقوله: ((كل الناس يغدو)) معناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها من الله تعالي بطاعته فيعتقها، ومنهم من يبيعها من الشيطان والهوى فيهلكها.
((شف)): الغدو سير أول النهار، وهو ضد الرواح، وقد غدا يغدو غدواً مأخوذ من الغدوة- بالضم- وهي ما بين الصبح وطلوع الشمس، والبيع والشرى يطلق أحدهما علي الآخر لارتباط كل منهما بالآخر، ولما كان كل واحد من المتعاقدين من عادته اختيار ما في يد صاحبه علي ما في يده، وإيثاره عليه بالمبادلة معه- وضع لفظ البيع و [الشرى] مكان ترك حالة وكسب أخرى، والمراد هاهنا صرف النفس في الأغراض التي توخاها النفس وتوجهت نحوها، واستعمالها فيها، فإن آثر آخرته علي دنياه، واشتراها بالدنيا- فقد أعتقها، أعني نفسه عن أليم عقابه، وإن آثر دنياه علي آخرته، واشتراها بالآخرة- فقد أوبقها، أي أهلكها، بأن جعلها عرضة لعظيم عذابه. قوله: ((فبائع نفسه)) خبر، أي هو يشتري نفسه، بدليل قوله: ((فمعتقها))، والإعتاق إنما هو يصح من المشتري، وهو محذوف المبتدأ، فإنه يحذف كثيراً بعد الفاء الجزائية. وقوله: ((فمعتقها))، خبر بعد الخبر، ويجوز أن يكون بدل بعض من قوله: ((فبائع نفسه)).

الصفحة 740