كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 3)

علي المكاره، وكثرة الخطى إلي المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)).
283 - وفي حديث مالك بن أنس: ((فذلكم الرباط فذلكم الرباط)) [ردد] مرتين. رواه مسلم. وفي رواية الترمذي: ثلاثاً. [283]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: ما وجه اتصال هذه الجملة بما قبلها؟ قلت: هي استئنافية علي تقدير سؤال سائل، قد تبين من هذا التقرير الرشد من الغي، فما حال الناس بعد ذلك. فأجيب: كل الناس يغدو إلي آخره. وموقع هذا السؤال موقع الفاء في قوله: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله} الآية، بعد قوله: {قد تبين الرشد من الغي} والله أعلم.
الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((ما يمحو الله)) محو الخطايا كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة دلالة علي غفرانها، ورفع الدرجات عبارة عن إعلاء المنازل في الجنة. وإسباغ الوضوء استيعاب المحل بالغسل، وتطويل الغرة، وتكرار المسح والغسل ثلاثاً. وأصل الوضوء من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، وسمي وضوءاً لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه. ((نه)): أثبت سيبويه الوضوء، والطهور، والوقود بالفتح في المصادر، وهي تقع علي الاسم، والمصدر. و ((المكاره)) جمع مكره- بفتح الميم- من الكره، المشقة والألم. وقيل: منها إعواز الماء، والحاجة إلي طلبه، أو ابتياعه بالثمن الغالي.
قوله: ((وانتظار الصلاة)) ((مظ)): إذا صلي بالجماعة أو منفرداً ينتظر صلاة أخرى، ويعلق فكره بها، إما بأن يجلس في المسجد ينتظرها، أو يكون في بيته، أو يشتغل بكسبه وقلبه معلق بها ينتظر حضورها، وكل ذلك داخل في هذا الحكم، ويؤيده ما ورد: ((ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه)).
قوله: ((الرباط)) يقال: رابطت إذا لازمت الثغر، وهو أيضاً اسم لما يربط به، وسمي المكان الذي خص بإقامة حفظة فيه رباطاً. ((قض)): المرابطة ملازمة العدو، مأخوذ من الربط، وهو الشد، والمعنى أن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية؛ لأنها تسد طرق الشيطان علي النفس، وتقهر الهوى وتمنعها عن قبول الوساوس، وإتباع الشهوات، فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان، وذلك هو الجهاد الأكبر، إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين، ومنعهم عن الفساد والإغواء.
أقول- والله أعلم-: وفيما ذكر معنى ما يروى: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر)) لإتيان اسم الإشارة الدال علي بعد منزلة المشار إليه القريب في مقام التعظيم، وإيقاع

الصفحة 743