' خرجت إلى الشام في طلب العباد ؛ فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد ؛ حتى قال لي رجل : قد كان ها هنا رجل من اهل النحو الذي تريد ، ولكنا فقدنا من عقله ؛ فلا ندري يريد أن يحتجز من الناس بذلك ، أم هو شيء أصابه ؟ قلت : وما أنكرتم منه ؟ قال : إذا كلمه أحدنا ؛ قال : الوليد وعاتكة ؛ لا يزيد عليه . قال : قلت : فكيف لي به ؟ قال : هذه مدرجته . فانتظرته ؛ فإذا برجل واله ، كريه الوجه ، كريه المنظر ، وافر الشعر ، متغير اللون . وإذا الصبيان حوله وخلفه ، وهو ساكت يمشي وهم خلفه سكوت يمشون ، عليه أطمار له دنسة . قال : فتقدمت إليه ، فسلمت عليه فالتفت إلي ، فرد علي السلام ؛ فقلت : رحمك الله ! إني أريد أن أكلمك . فقال : الوليد وعاتكة ! قلت : قد أخبرت بقصتك . فقال : الوليد وعاتكة ! قلت : أخبرت بقصتك . قال : الوليد وعاتكة ! قلت : أخبرت بقصتك . قال : الوليد وعاتكة ! ثم مضى حتى دخل المسجد ، ورجع الصبيان الذين كانوا معه يتبعونه ؛ قال : فاعتزل إلى سارية فركع ، فأطال الركوع ، ثم سجد [ فأطال السجود ] ، فدنوت منه ، فقلت : رحمك الله ! رجل غريب يريد أن يكلمك ويسألك عن شيء ؛ فإن شئت فأطل ، وإن شئت فأقصر ، ولست ببارح حتى تكلمني . قال وهو في سجوده يدعو ويتضرع ؛ قال : ففهمت عنه وهو يقول وهو ساجد : سترك سترك . قال : فأطال السجود حتى سئمت ، قال : فدنوت منه فلم اسمع له نفسا ولا حركة ، قال : فحركته ؛ فإذا هوميت ، كأنه قد مات من دهر طويل . قال : فخرجت إلى صاحبي الذي دلني عليه ، فقلت : تعال فانظر إلى الذي زعمت أنك انكرت من عقله . قال : فقصصت عليه قصته ، قال : فهيأناه ودفناه ' .
____________________