كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

كبيرا على المؤرخ المعاصر المسلم؛ لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى الروايات الصحيحة بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين، وهو أمر لم يعد سهلا ميسورا، كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط، أو الطبري، بسبب تضلعهم في مناهج المحدثين وطريق سبرهم للروايات وتمييزها"1.
إن عملية نقد الروايات التاريخية وفق منهج المحدثين عملية ليست سهلة "فإن النظر في الرجال، ودراسة الرواة عملية صعبة شاقة ومجهدة ذهنيًّا وبدنيًّا لما تقتضيه من وقت طويل، ومكلفة ماديًّا وماليًّا، فمراجعها من الكتب قليلة الاستعمال، كبيرة الحجم، غالية الثمن، نادرة الوجود"2.
ولكن لابد للمؤرخ المسلم من اقتحام العقبة وتحدي الصعاب إذا أراد لعمله النجاح، ونوى فيه الإخلاص لله عز وجل فإن هذا العمل من أجلّ الأعمال وأفضلها، فحينما يتم تمحيص وسبر الروايات التاريخية وتنقيتها مما علق بها من الشوائب، فإنا نكون قد قمنا بعمل عظيم خدمة لتاريخ أمتنا الإسلامية المجيد، وأنرنا بذلك المستقبل للأجيال القادمة.
"إن للمحدثين مناهج وطرقا في نقد الأحاديث ومعرفة الصحيح من الضعيف، والمطلوبُ تطبيق هذه المناهج في نقد الروايات التاريخية المتعلقة بتاريخ صدر الإسلام؛ لأن هذه الروايات التاريخية تشبه الأحاديث من حيث وجود الأسانيد التي تتقدم المتون مما يمكن الناقد من معرفة الرواة المتعاقبين الذين نقلوا الخبر أو الرواية خلفا عن سلف. وتُستمد المعلومات عن الرواة من كتب علم الرجال التي تختص ببيان أحوال الرواة.
فمثلا شرط الصحيح من الحديث هو أن يرويه العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فشرط الرواية التاريخية الصحيحة
__________
1 الدكتور أكرم العمري، المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته (25) .
2 أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (53) .

الصفحة 10