كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

أن كل رواتها المتعاقبين إلى شاهد العيان متدينون تدينًا صحيحًا، وعندهم ملكة الحفظ والتي تمنع وقوعهم في الأوهام والتخليط، وتؤدي إلى ضبطهم للرواية سواء في صدورهم أو كتبهم، يضاف إلى ذلك أن تكون الرواية متفقة مع الروايات الأخرى التي يرويها رواة يتمتعون بتوثيق أكثر، أما إذا خالفتها فهي شاذة مرجوحة، وكذلك أن لا يكون في الرواية التاريخية علة خفية قادحة بصحتها، كالتدليس الخفي، أو الإرسال الخفي، أو الاضطراب في معلومات المتن. وإذا كانت الروايات التاريخية لا ترقى إلى درجة الصحة الحديثية وفق الشروط المتقدمة، فإنه ينظر إلى تعدد طرقها بجمع ما يتعلق بالمسألة التاريخية الواحدة، فإنها تقوى خاصة عند استحالة اجتماع الذين رووها واتفاقهم على الكذب"1.
ثم ينظر بعد ذلك في الروايات بعد سبرها ونقدها فيتم "اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام. وعند التعارض يقدم الأقوى دائما. أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة على ألاّ تتعلق بجانب عقدي أو شرعي. أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران كتخطيط المدن وريازة الأبنية وشق الترع، أو المتعلقة بوصف ميادين القتال وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم فلا بأس من التساهل فيها"2.
"فإن هذا العلم - علم الرواية والإسناد - قد وضع أساسا ليقاس بمقتضاه ما روي من حديث نسبه رواته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل ليجيز ما يثبت نقله عنه. فالأمر يتعلق بإرساء قواعد الدين، وتأصيل أصول الإسلام:
__________
1 أكرم العمري، المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته (24-25) .
2 المصدر السابق، (25-26) (بتصرف) .

الصفحة 11