كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة

عباداته ومعاملاته، وشريعته ومعتقداته. إن هذا وأمثاله من النهج المتشدد إن كان له ما يبرره عند إرساء قواعد الدين فلعله أن يكون تعنتا أن نطبقه بحذافيره على المرويات التاريخية"1.
لذلك فإن "اشتراط الصحة الحديثية في كل رواية تاريخية نريد قبولها فيه تعسف؛ لأن ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الإسلامي، مما يولد فجوات ضخمة في تاريخنا. وإذا قارنا ذلك بتواريخ العالم فإنها كثيرا ما تعتمد على روايات مفردة أو مؤرخين مجهولين، بالإضافة إلى ذلك فهي مليئة بالفجوات، لذلك يكفي في الفترات اللاحقة التوثيق من عدالة المؤرخ وضبطه لقبول ما يسجله مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين. إن اشتراط الأمانة والثقة والدين في المؤرخ ضروري لقبول شهادته على الرجال والأمم وتقويم دورهم التاريخي"2.
كما "ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يكثرون من الأخبار المرسلة والمنقطعة"3. تلك الأخبار هي في الغالب روايات موقوفة على بعض التابعين مثل عروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، وبعض صغار التابعين مثل الزهري، وعاصم بن عمرو، ومالك بن دينار وغيرهم، هذه الروايات من وجهة النظر الحديثية ضعيفة لا يحتج بها، ولكن من الجدير ذكره أن هؤلاء التابعين كانوا من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية، وتدوينها التدوين الأول، وكان تدوينهم لها إما عن طريق كتب أو وثائق وصلت إليهم عن طريق الصحابة أو تابعين عاصروا الصحابة وأخذوا ذلك عنهم، أو عن طريق روايات شيوخهم
__________
1 أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (57) .
2 الدكتور أكرم العمري، المجتمع المدني (30) .
3 المصدر السابق (25) .

الصفحة 12