كتاب السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة
وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق"1.
إن تاريخ كل أمة هو سجل حافل بالأحداث والوقائع لهذه الأمة، تظهر فيه عوامل النجاح، وتبرز فيه أسباب الإنتصارات والهزائم، فهو مستشار الخبرات والتجارب الإيجابية والسلبية، يضيء لها طريق المستقبل، فأمة بلا تاريخ أمة بلا مستقبل.
ألا وإن أعظم وأوثق تاريخ عرفته البشرية حتى اليوم هو تاريخ هذه الأمة الإسلامية التي اصطفاها الله عز وجلّ وفضَّلها على الأمم قاطبة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 2 لذلك فالمستقبل لهذه الأمة بحول الله وقوته.
ويمكننا أن نلخص عظمة تاريخ هذه الأمة في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: كون كتابها ودستورها القرآن العظيم، كلام الخالق عز وجلَّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد حوى قصص وتواريخ الأمم السابقة من لدن أبي البشر آدم عليه السلام حتى العهد الذي أُنزل فيه: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} 3.
ثم هو مصدر أساسي من مصادر تاريخ ذلك العهد، عهد النبوة حتى انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: أنه يحكي تاريخ فترات من الزمن هي أفضل فترات هذه الأمة: "خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم" 4.
__________
1 ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، "مقدمة تاريخ ابن خلدون" (6) .
2 سورة آل عمران: 110.
3 سورة هود: 100.
4 انظر: الألباني: "صحيح الجامع" (2/624) وقال: صحيح.
الصفحة 6
376