كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وقبل ذلك وقعت البشرية في فتنة المخالفين من داخل هذه الأمة، فقد حرفت "الفرق الضالة" عقيدة الإسلام وشريعته، وسعت في فتنة التبديل مع استبقاء الانتساب للكتاب والسنة، وقد استفاد أئمة الغزو الفكري منهم وبنوا على تجربتهم واجتمع جهدهم -وهم في أمر مختلف- ولكنه يكون أقوى اجتماعاً وأشد تناصرا عند نشر فتنة التبديل والتغيير مع اختلاف الأساليب والمواقع والشارات والشعارات، وعدو البشرية الأول يرضى عن ذلك كله إذا ما كان الهدف واحداً والغاية التي رسمها مطلوبة ومتحققة.
وإن المسلمين اليوم قد أحاطت بهم هذه الفتنة كما أحاطت بالبشرية في أكثر مراحلها وهي تحيط بها اليوم من جميع أقطارها، وليس لنا ولا لها أن ننتظر رسولاً جديداً يرفع هذه الفتنة بإذن الله، ولكن علينا أن نستمسك بالكتاب والسنّة ونحذر من فتنة التبديل، ونتبع ما كان عليه نبي هذه الأمة صلوات الله وسلامه عليه، وماربي عليه أصحابه رضوان الله عليهم لنكون بفضل من الله من الطائفة التي تقوم بالحق، وبهذا يتحقق لنا أهم أسباب النصر، ولم يبق بعد ذلك إلا الصبر على بذل الجهد وإحسان العمل لنتغلب على الأعداء، ونحول بين البشرية وفتنتهم.
إن الصراع بين أهل الحق والباطل ما زال قائماً .. وقد انقطع في كثير من مراحل البشرية قبل بعثة النبي يكرِو عندما غلب أهل الباطل، ولكنه في هذه الأمة لن ينقطع، لأن المصدر الرباني للهدي محفوظ، وطائفة الحق لا تزول وأعداء الدين داخل الأمة وخارجها أمسكوا بالفتنة الجديدة فتنة تبديل المفاهيم والقيم والأحكام واجتمعوا على نصرتها، وتوافرت جهودهم على ذلك، وأمنتهم هذه الأمة -كما أمنتهم البشرية في جميع أقطار الأرض- لما دعوا إلى السلام وجمع العالم تحت رايته وكفوا عن محاربة الدين محاربة صريحة، وأخذوا في طرق أخرى ملتوية وقام أئمتهم المفكرون بدراسة الكتاب والسنّة وتاريخ الإسلام تماماً كما انتسب إليها أئمة الفرق الضالة وسعوا إلى أغراضهمٍ تلك ... جهلاً أو عناداً، وجعلوا العقل والبحث العلمي -بزعمهم- رائداً لهم فوافقهم على ذلك كثير من الكتاب والباحثين في الدراسات الإِسلامية، فعمت تلك الفتنة في العالم

الصفحة 10