كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الإسلامي وأنشأت واقعاً أصبح فيه أهل الحق غرباء، وفرح أعداء الإسلام بتجهيل هذه الأمة بدينها، ونشطوا في نشر المذاهب الفكرية المعاصرة، التي تنادي بالفصل بين العقيدة والشريعة وفصل الحياة الدنيا عن الآخرة، وكان في مقدمتها "العلمانية" (١).
ولم تكن قدرات العقل الإسلامي من القوة والصفاء بحيث يرفض هذا الانحراف ويتمسك "بالوحي" وسبب ذلك يرجع إلى غزو ثقافي قديم تقبله "العقل الإسلامي" وخُدع به، فَسهُل عليه تقبل هذا الغزو الحديث المتمثل في المذاهب المعاصرة.
لقد أثر المنهج العقلي الذي دخل على الأمة الإسلامية من ثقافة اليونان عن طريق المعتزلة أثراً بالغاً في الأصول والفروع، وقد شُغِلَت به المعتزلة كثيراً في الأصول الاعتقادية، وأشْغَلت الناس به، وتركت في الأمة آثاراً بالغة السوء ما يزال المصلحون يعانون منها، وورّثت مسالك فاسدة في الأصول أثّرت على الفروع العملية وأضعفت من سلطان الشريعة، وجعلت للعقل منزلة تقارب الشرع أو تضاهيه، تركت هي الأخرى آثاراً بالغة السوء، تمثلت في بعض الأراء عند بعض الشذاذ .. ومن سار سيرتهم في الأمة بعد ذلك من الكتاب المحدثين، وانتهت هذه الكتابات يتأثر المتأخر منها بالمتقدم إلى أن العقل له حق تعطيل العمل بالنص بجميع أفراده بحكم "المصلحة". وذلك هو التغيير والتبديل.
ومن الأثار السيئة التي ترتبت على هذه الأفكار الخطيرة أن تزعزع مفهوم "الثبات في الشريعة" عند بعض الدارسين للفقه الإسلامي والمتصلين بالدراسات
---------------
(١) نشأ هذا المذهب الذي أطلق عليه مصطلح "العلمانية" في أوروبا وهو "حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة ... باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية" ولذلك فإن أقرب ترجمة تؤدي المقصود به عند أهله هو "اللادينية". انظر بحثاً مفصلاً عن هذا في كتاب مذاهب فكرية معاصرة ص ٤٤٥ - ٤٤٦، للأستاذ محمد قطب، دار الشروق ١٤٠٣ هـ.

الصفحة 11