كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

من الباحثين المحدثين من الفقهاء وكثيراً من المستشرقين ومن تابعهم، اضطربوا في تحديد منزلة "الفقه الإسلامي" فمنهم من أسقط الشرعية عنه باعتبار أنه عمل بشري وضعي، ومنهم من بالغ في متابعة المجتهدين حتى كف نفسه وغيره عن التصحيح الذي هو جزء من الاجتهاد، وأمام هذه المواقف المختلفة التبس مفهوم الفقه الإسلامي بمصطلح "الشريعة"، فكان لا بد من دراسة تفصيلية تبين الفوارق بين أهم المصطلحات المتصلة بهذا البحث ومن أهمها "الشريعة" و"الفقه" و"علم الكلام"، وذلك أمر ضروري حتى نتعامل مع كل مصطلح وهو في موضعه العلمي السليم ونعطيه حقه من الصفات الشرعية، وهذا طريق مهم لمعرفة منزلة هذه "الشريعة" على حقيقتها دون أن تلتبس بغيرها من المصطلحات، ولكي نحدد أيضاً مقصودنا بالثبات والشمول ونبين الأدلة عليه، لأن الثبات والشمول في "الشريعة" غير الثبات والشمول في "الفقه"، وقد كان المنهج الذي دُرست به هذه المسائل الخطيرة في الدين منهجاً تأثر أثراً كبيراً بمسالك أهل الكلام من المبتدعة قديماً، ومن تابعهم من المحدثين، فانتشرت الدعوة لتغيير بعض أحكام الشريعة، وذلك بعد أن تكاثرت الأقوال التي انتشرت في كتب الأصول، من أن الأدلة النقلية لا تفيد العلم مطلقاً، وأن الفقه من باب الظنيات هكذا على الإطلاق، وأن الاجتهاد إنما يتبع ما اتفق للمجتهد دون اعتبار مرجح شرعي، ثم ازداد الأمر سوءاً عندما تكاثرت بحوث المحدثين على دعم هذه الآراء سواء في العموم، أو القياس، أو المصلحة، أو الإجماع، وهي أهم طرق الاجتهاد، فكان لا بد من دراسعة صلاحية المسلك العقلي غير الملتزم للشريعة وآثاره قديماً وحديثاً، ودرامعة المنهج الشرعي في الاستدلال الذي ورثناه عن الصحابة - رضوان الله عليهم - والذي تعلموه من رسول الله القدوة العملية لتطبيق هذه الشريعة - ومعالجة أهم الشبه التي يمكن أن تثار حول هذه الدراسة، مع ملاحظة الآثار الإيجابية التي ينتجها الالتزام بالمنهج الشرعي في الاستدلال، وإبرازها وبيان دلالتها على ثبات، الشريعة وشمولها في كل موضع بحسبه، وفي المقابل بيان الآثار السلبية التي تنتج عن التزام ذلك المسلك العقلي المخالف للشريعة في الاستدلال -كله أو بعضه- وإبراز أخطاره وآثاره

الصفحة 13