كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (١).
فقال: "فالحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه، فحكمهم حكمه وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته، فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته، فإن ذلك هو حكم الله على خلقه، والرسول يبلغ عن الله قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ... } الآية (٢).
فعلى جميع الخلق أن يحكّموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وأفضل المرسلين .. " (٣).
وإنما كان الحكم لله وحده لأن ذلك مقتضى الألوهية كما بينت سابقاً، وأما أنّ الرسولَ المبلغَ يطاع بإذن الله فذلك لأنه حكّم الوحي على نفسه كما قال الإمام الشاطبي: "وحقيقة ذلك كله جعله الشريعة المنزلة عليه حجة حاكمة عليه، ودلالة له على الصراط المستقيم الذي صار عليه - عليه السلام -" (٤).
فهذا هو شأن سيد ولد آدم - عليه السلام -، والبشر بعده كافة مدعون في
---------------
(١) سورة يوسف: آية ٤٠.
(٢) سورة النساء: آية ٦٤.
(٣) مجموع الفتاوى الكبرى ٣٥/ ٣٦٣ لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية طبعة ١٣٩٨ هـ.
(٤) الاعتصام ٢/ ٣٣٩، وانظر أصول الفقه ٣٦ لأستاذي الدكتور حسين حامد حسان وطريق العودة إلى الإسلام حيث قال مؤلفة: الإمام لا يتمتع بأي سلطة تشريعية، كيف والرسول ذاته - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مخولاً أن يشرع؟ إنما كان يجتهد إذا انقطع عنه الوحي في البحث عن حكم الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والمعول بعد ذلك على إقرار الوحي لما قد هداه اليه اجتهاده، وربما نزل الوحي يأمر النبي أن يتحول عن اجتهاده إلى حكم آخر فلا يسعه - صلى الله عليه وسلم - إلّا تنفيذ ما أمره به المشرع جل جلاله فالأئمة الذين جاءوا من بعده مثله في ذلك مع فارق انقطاع الوحي وضرورة اتباعهم لما صح من سنته القولية والفعلية" ٦٢ للدكتور سعيد رمضان البوطي.

الصفحة 32