كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فإنه يزعم أن ثم طرقاً أخر ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين، كأن الشارع يعلم ونحن أيضاً نعلم، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم ما لم يعلمه الشارع، وهذا إن كان مقصوداً للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع، وان كان غير مقصود فهو ضلال مبين" (١).
ويضيف الشاطبي أن الشارع قد انفرد بالتشريع للناس ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وألزمهم الجري على سننها، ومنعهم من حق التشريع لأن عقولهم لا تدركه، ولو كانت تدركه عقولهم لما بعث الله لهم الرسل - عليهم السلام -، فمن أراد أن يكون له من هذا الحق شيء فإنما أراد أن يكون معانداً للشرع ونظيراً له ومضاهياً، وراداً لقصد الشارع في الانفراد بالتشريع (٢).
وذكر الإمام الشاطبي في مواضع أخرى من كتابه الاعتصام أن البدعة إذا بلغت حد الاعتراض على الكتاب والسنة فصاحبها بالتكفير أحق، لأنه حينئذ في حكم المتبعين للهوى بإطلاق، والمتبعين لما تشابه من الكتاب ومن كل وجه وهذا "لا يتأتي .. من أحد في الشريعة إلّا مع رد محكماتها عناداً وهو كفر" (٣).
وهذا كله في المبتدع وهو يقصد التقرب إلى الله ويدخل تحت أذيال التأويل (٤).
أما الشرع من دون الله فهو منقطع عن الوحي منشئ للحكم مفتر على الله فهو حينئذ أحق وأولى بتلك الأوصاف التي وُصف بها المبتدع. وإنما كان المشرع من دون الله ملزماً بهذه الأوصاف لأنه معرض عن اتباع ما أنزل الله، ملتزم بما شرعه هو لنفسه من أحكام لم ينزل الله بها من سلطان فإذا حكم بهذه
---------------
(١) المصدر السابق ١/ ٤٩.
(٢) المصدر السابق ١/ ٥٠ - ٥١.
(٣) انظر الاعتصام ٢/ ٢٧٢ و ٢/ ٢٨٦.
(٤) المصدر نفسه ١/ ١٣٤، "والدليل على ذلك أنه لا تجد مبتدعاً ممن ينسب إلى الملة إلّا وهو مستشهد على بدعته بدليل شرعي فينزّله على ما وافق عقله وشهوته" ١/ ١٣٤ - ٢/ ٦٤.

الصفحة 38