كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الأحكام الباطلة انتشرت حينئذ البدع والمبادئ المنحرفة والمذاهب الباطلة وظهر الفساد، لأن الذي يحاربها ويطهر الأرض منها هو شرع الله، والمشرع لنفسه معرض عنه. بل إن المشّرعين من دون الله يطمعون في أكثر من ذلك ألا وهو تغير ملة الحق (١)، وقد أشار الإمام الشاطبي إلى الفرق بين التشريع المطلق وبين الهوى الذي يتبعه المبتدع فقال: " .. وقد ثبت أيضاً للكفار بدع فرعية ولكنها في الضروريات وما قاربها" ثم أخذ يعددها إلى أن قال: "حتى صار التشريع ديدناً لهم، وتغيير ملة إبراهيم - عليه السلام - سهلاً عليهم، فأنشأ ذلك أصلاً مضافاً إليهم وقاعدة رضوا بها وهي التشريع المطلق لا الهوى .. " (٢).
وبهذا تظهر لنا خطورة التشريع من دون الله وما يؤدي إليه من الانحراف عن شريعة الإسلام، وهو أشد خطورة من البدع الأخرى وإن كان لفظ البدع شاملاً له كما أشار الإمام الشاطبي.
ولا تزال آيات القرآن تجلو هذه العقيدة، وتطهرها مما أصابها من الشبهات (٣) .. حتى تستقر في عقول الناس كافة، ويزداد الذين آمنوا إيماناً،
---------------
(١) ومع محاولاتهم العديدة إلّا أن الله برحمته قد حفظ القرآن والسنة ويسر لها من العلماء العدول من كل خلف من يذبون عنها، فهي محفوظة، ولم يبق لأعداء الإسلام إلا التشكيك والمخادعة والمحاربة.
(٢) الاعتصام ٢/ ٢٠١ - ٢٠٢، وقوله: "لا الهوى" يقصد به أنهم رضوا بالتشريع المطلق وأصبح قاعدة لهم وديدناً، بخلاف الهوى الذي يصيب المبتدع فإنه قد يؤدي به إلى التشريع المطلق والاعتراض على الكتاب والسنة وقد لا يؤدي به إلى ذلك، بحسب بدعته على ما ذكره من التقسيم السابق، ولا يقال الكلام المذكور في البدع فلم نقلته هنا، فالجواب أن الشرك من البدع ومنه التشريع المطلق كما صرح الشاطبي عند التقسيم السابق.
(٣) وقد رد القرآن على اعتذار المعتذرين بأنهم لم يريدوا إلا التوفيق بين شريعة الله وشريعة غيره. انظر تفسير آية النساء ٦٢ في تفسير ابن كثير ١/ ٥٢٠، والاعتصام ١/ ١٣٧، وأعلام الموقعين ١/ ٥٠ - ٥١، وكذلك رفع القرآن دعواهم أن شركهم هذا هو محض المشيئية. انظر تفسير آية ١٤٨ من سورة الأنعام تفسير ابن كثير.

الصفحة 39