كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ثانياً: أن المصالح والمفاسد مضطربة وضابطها هو عدم مخالفتها للشريعة، فدفع المشقة مثلاً بالنسبة للمسافر وغيره "تختلف بالقوة والضعف، وبحسب الأحوال وبحسب قوة العزائم وضعفها، وبحسب الأزمان وبحسب الأعمال، فليس سفر الإنسان راكباً مسيرة يوم وليلة في رفقة مأمونة وأرض مأمونة وعلى بطء وفي زمن الشتاء وقصر الأيام، كالسفر على الضد من ذلك في الفطر والقصر، وكذلك الصبر على شدائد السفر ومشاقه يختلف .. وكذلك الصبر على الجوع والعطش .. وكذلك المريض بالنسبة إلى الصوم والصلاة والجهاد وغيرها، واذا كان كذلك فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد في جميع الناس، ولذلك أقام الشرع في جملة منها السبب مقام العلة .. فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان وجود المشقة ... " (١). فالعبرة بالمظنة إذا لا بمجرد الحكمة.
ثالثاً: صرح الشاطبي في موضع آخر بأن "المصالح في التكليف ظهر لنا من الشارع أنها على ضربين".
(أ) "ما يمكن الوصول إلى معرفته بمسالكه المعروفة كالإِجماع والنص والإِشارة والسبر والمناسبة وغيرها، وهذا القسم هو الظاهر الذي نعلل به ونقول إن شرعية الأحكام لأجله" (٢).
(ب) "ما لا يمكن الوصول إلى معرفته بتلك المسالك المعهودة ولا يطلع عليه الا بالوحي، كالأحكام التي أخبر الشارع فيها أنها أسباب للخصب والسعة وقيام أبهة الإِسلام" - وضرب أمثلة أخرى - وقال: "وإذا كان معلوماً من الشريعة في مواطن كثيرة أن ثم مصالح أخرى غير ما يدرك المكلف لا يقدر على استنباطها ولا على التعدية بها في محل آخر، إذ لا يعرف كون المحل الآخر
---------------
(١) المصدر السابق ١/ ٢١٣ - ٢١٤.
(٢) المصدر السابق ٢/ ١٣٠، وانظر ١/ ٢٩٢، حيث قال: " ... وتعرف العلة هنا بمسالكها في أصول الفقه".

الصفحة 398