كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

-وهو الفرع - وجدت فيه تلك العلة البتة، لم يكن إلى اعتبارها في القياس سبيل فبقيت موقوفة على التعبد المحض، لأنه لم يظهر للأصل المعلل بها شبيه إلا ما دخل تحت الإِطلاق أو العموم المعلل، وإذ ذاك يكون أخذ الحكم المعلل بها متعبداً به، ومعنى التعبد به الوقوف عند ما حد الشارع فيه من غير زيادة ولا نقصان" (١).
ومقصود الشاطبي ظاهر من هذه النقول، وأذكر هنا مثالين تزيد المقصود وضوحاً:
الأول - قصر الصلاة في السفر للملك المترفه:
قرر المانعون للتعليل بالحكمة أن الشارع ربط الحكم وهو قصر الصلاة بالسفر وهو علة عندهم، ولا يشترط تحقق الحكمة.
والشاطبي - باصطلاحه الخاص - يذهب المذهب نفسه، فالسفر سبب وهو المظنة ولا عبرة بالحكمة التي هي المشقة لعدم انضباطها كما بين سابقاً، وأضيف هنا ما قاله في موضع آخر: من أن المشقة بالنسبة للملك ممكنة، قال إن "انتفاء المشقة بالنسبة إلى الملك المترفه غير متحقق، بل الظن بوجودها غالباً، غير أن المشقة تختلف باختلاف الناس ولا تنضبط، فنصب الشارع المظنة موضع الحكمة ضبطاً للقوانين الشرعية" (٢)، وهذا النص - مثل النصوص السابقة يدل على أن الشاطبي يشترط للتعليل بالحكمة اتباع المظنة، أما اتباعها بغير شروط فليس في كلامه ما يدل عليه.
الثاني - مثال آخر:
قال الشاطبي: " .. كما جعل -أي الشارع- التقاء الختانين ضابطاً لمسبباته المعلومة، وإن لم يكن الماء عنه لأنه مظنة، وجعل الاحتلام مظنة حصول العقل القابل للتكليف لأنه غير منضبط في نفسه إلى أشياء من ذلك كثيرة" (٣).
---------------
(١) المصدر السابق ٢/ ٢٣٠.
(٢) المصدر السابق ١/ ١٧٣.
(٣) المصدر السابق ١/ ١٧٣.

الصفحة 399