كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

هنا بمسالكها المعلومة في أصول الفقه فإذا تعينت علم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه، ومن التسبب أو عدمه، وإن كانت غير معلومة فلابد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا وكذا، إلّا أن التوقف هنا له وجهان من النظر" (١).
الوجه الأول: "أن لا نتعدى المنصوص عليه في ذلك الحكم المعين أو السبب المعين، لأن التعدي مع الجهل بالعلة تحكم من غير دليل، وضلال على غير سبيل .. فالتوقف هنا لعدم الدليل".
الوجه الثاني: "أن الأصل في الأحكام الموضوعة شرعاً أن لا يتعدى بها محالها حتى يعرف قصد الشارع لذلك التعدي، لأن عدم نصبه دليلًا على التعدي دليل على عدم التعدي، إذْ لو كان عند الشارع متعدياً لنصب عليه دليلاً ووضع له مسلكاً، ومسالك العلة معروفة ... " (٢).
فهذان الوجهان كلاهما متجه، والأول: يقتضي التوقف من غير جزم بأن التعدي غير مراد، ويقتضي إمكان أنه مراد فيبقى الأمر في قصد الشارع له بالنسبة للمجتهد محتملاً.
والثاني: يقتضي الجزم بنفي التعدي من غير توقف ويحكم علماً أو ظناً بأنه غير مقصود للشارع.
فإذا كان هذان الوجهان متجهين صار عمل المجتهد معهما كعمله عند تعارض الدليلين، والاحتياط هنا أولى (٣).
وصرح الشاطبي بمثل هذا في موضع آخر فقال: " ... فعلى هذا إذا
---------------
(١) ٢/ ٢٩١.
(٢) ٢/ ٢٩٢.
(٣) ٢/ ٢٩٢، ولأن التعارض يتفاوت باعتبار المسائل والمجتهدين والأوقات بالنسبة للمجتهد الواحد.

الصفحة 401