كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ولا تحول بينهم وبين البدع والخرافة والضلالة والانحراف، وما زالوا على ذلك حتى جاءهم الإسلام يناديهم لهذه العقيدة والشريعة، التي توجب عليهم الاتباع لكل ما جاءهم من عند الله، فآمن من آمن وكفر من كفر، واستقر أمر الجيل الأول من المؤمنين على هذه العقيدة فلم يعودوا يتلَقّون إلا عن هذه الشريعة -كتاباً وسنة- لا يراجعونها في شيء، ولا يقدمون عليها شيئاً، ولا يخلطونها بغيرها من شرائع البشر وأفكارهم، يتلقون منها بصدق ويقين .. فاستقامت حياتهم، واستفادوا العلم والإيمان واليقين والثبات من هذه الشريعة - فلا تغيير ولا تبديل ولا نسخ ولا معارضة - والشريعة تشملهم برحمة الله وحكمته وعدله، قد سجدت عقولهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم لأحكامها، فخضعت مجتمعاتهم لحكم هذه الشريعة في جميع مجالاتها، ثم انتشرت هذه العقيدة تبشر الأمم الأخرى وتنذرها فآمن من آمن وكفر من كفر، وكانت الكلمة العليا لهذه الشريعة فحكمت المجتمعات الجديدة كما حكمت المجتمعات السابقة.
وأمام هذه الانطلاقة العظيمة لهذه الشريعة نشط المكر وقوي العداء من أبناء الأمم الأخرى الذين لم يؤمنوا بالإسلام .. وكان من مكرهم أن حملوا ثقافتهم وأفكارهم الجاهلية ليغزوا الإسلام بها فانتشرت الأفكار الفلسفية القادمة من الأمم الأخرى .. وتم توزيعها عن طريق الفرق الضالة .. فبدأ الانحراف العقائدي ينتشر ويذكر بالجاهلية الأولى وانحرافها حين اتبعت العقل البشري وضلالته وعبدت غير الله، وقد تلبست الجاهلية الأولى بملة إبراهيم عليه السلام، وتلبس الفكر الجاهلي القادم من ثقافة اليونان بانتساب المعتزلة إليه (١)، وهي فرقة من الفرق التي انتشرت داخل الأمة الإسلامية، وكان من انحرافها أن جعلت العقل البشرى القاصر طريقاً وحيداً للتعرف على "الحق" فبدأ الفكر عند هؤلاء ينحرف عن أصوله الأولى، ويفقد خصائصه، فلم يصبِح الوحي هو مصدر التلقي عندهم لأنهم بزعمهم لا يستفيدون منه علماً ولا يقيناً، فتغيرت وجهة القوم فبعد أن كانت قبلتهم هذه الشريعة وتلك العقيدة أصبحت قبلتهم
---------------
(١) سيأتي الحديث عن أئمتها وبعض عقائدهم بما يناسب موضوع الرسالة إن شاء الله.

الصفحة 41