كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

مثاله: قوله - عليه السلام - "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (١)، فالمعنى الجلي السابق للفهم هو"المنع لأجل التشويش" فألحقوا به جميع المشوشات وخصوا يسير الغضب من الحديث فأجازوا القضاء معه، وهذا تصرف بالعقل في النقل، فإنكار تصرفات العقول في أمثال هذا إنكار للمعلوم في أصول الفقه (٢).
ويجيب الشاطبي بجوابين:
الأول: أن الأصوليين يلحقون المسكوت عنه بالمنطوق، وهذا شائع في باب القياس، وقد ألحقوا كل مشوش بالغضب قياساً، وأما إخراج يسير الغضب عندهم فسببه فهم معنى التشويش "ومعلوم أن الغضب اليسير غير مشوش فجاز القضاء مع وجوده بناء على أنه غير مقصود في الخطاب هكذا يقول الأصوليون في تقرير هذا المعنى وإن مطلق الغضب يتناوله اللفظ لكن خصصه المعنى" (٣).
وليس في هذا تحكيماً للعقل، بل إنما هو اتباع للمعنى الوارد في النص.
الثاني: وهو جوابه واعتمد فيه على وضع اللسان، وحاصله: أن معنى الحديث "أن القاضي لا يجوز أن يقضي وهو شديد الغضب أو ممتلئ من الغضب" ودليله من وضع اللسان: أن غضبان - اللفظ الوارد في الحديث - على زنة فعلان، وهو يقتضي الامتلاء، لأن أسماء الفاعلين تقتضي الامتلاء مما اشتقت منه، فالغضبان هو الممتلئ غضباً، ومثله "ريان"، و"عطشان" وأشباه ذلك (٤).
فالشارع إنما نهى عن قضاء الممتلئ غضباً، وأما الغضب اليسير فلا يمنع من القضاء وهذا بمقتضى اللفظ لا بحكم المعنى فلا تخصيص.
---------------
(١) الحديث سبق تخريجه ص ٤٠٢.
(٢) الموافقات ١/ ٥٠.
(٣) المصدر السابق ١/ ٥١.
(٤) المصدر السابق ١/ ٥١.

الصفحة 422