كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

سهّل عليهم ذلك هو الفكر المعتزلي - وإن شئت قل الفكر اليوناني الفلسفي - لأن الفكر الذي تحكم في إدراك صفات الله -فنفى منها ما نفى وأثبت منها ما أثبت كما يريد- هو نفسه الذي نفى من صفات الشريعة ما نفى وأثبت منها ما أثبت في هذا العصر الذي نعيشه.
العقل مصدر في تلقي العقيدة كما زعم الفكر اليوناني .. والعقل مصدر لوضع القانون كما زعمت المذاهب الفكرية المعاصرة .. والمعتزلة حملة الفكر القديم وقد رباهم الفكر الفلسفي، والمذاهب المعاصرة وتلامذتها وقد رباهم الاستشراق .. ومهمة التلاميذ قديماً وحديثاً تلبيس المفاهيم الجاهلية بالصورة الإسلامية .. فمن داخل الشريعة الإِسلامية يطالبون بتغيير أحكامها ومن داخلها يشككون في شمولها ويقصرونها على بعض جوانب الحياة، ينفون ما شاءوا ويثبتون ما شاءوا باسم الإِسلام!!
وقبل أن ندخل في تفصيلات البحث لنقرر منهج أهل الحق في المحافظة على صفات هذه الشريعة نذكر المخالفين بهذه العقيدة المسلمة البدهية التي عاش عليها الجيل الأول وهي عقيدة الرسل أجمعين: "إن الخلق لله والأمر لله" وأن الذي ينشئ الأحكام وينزّلها ويشرّعها، وينسخ منها ما شاء ويبدّلها بغيرها إذا شاء هو الله سبحانه وتعالى لأنه هو الخالق والرازق والمدبر .. فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وإن مهمة البشر هي التلقي والفهم والاستنباط - والتطبيق -لا حسب أهوائهم- بل حسب منهج شرعي تعلمه الصحابة من الرسول - عليه الصلاة والسلام - وتعلمه التابعون من الصحابة وهكذا من جيل إلى جيل تعلمه أهل الحق وعلّموه لمن بعدهم، وحينئذ تستقر صفات هذه الشريعة فلا تبديل ولا تغيير، ويعرف لها الناس منزلتها، فهي شريعة الحكمة والعدل والعلم والرحمة، كما أنها شريعة الثبات والشمول، فقد جاءت بالحق الثابت الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه الناس، ودلت عليه، وهذا البحث بيان من أوله إلي آخره لهذه العقيدة.
ومن المفيد أن نقول هنا أن هذه العقيدة لو استقرت في قلوب البشر لآمنوا ولرجعت البشرية اليوم إلى الدين الحق وحكمت بهذه الشريعة.

الصفحة 43