كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فالبيع والسلف معًا وهديه المديان مظنة الربا، ونهى عن ميراث القاتل لكي لا يُتخذ القتل وسيلة لطلب تعجيل الإِرث، ونكاح المحرم حتى لا يقع الوطء في الحج فيفسده، وهكذا في أمثلة كثيرة ..
وهذه المواضع - وغيرها مما ماثلها - جاءت بها النصوص الشرعية ودلت مجتمعة على إثبات أصل كلي وعام، ألا وهو أن المظنة تأخذ حكم المظنون، وهذه الدلالة قطعية لأنها ثبتت عن طريق استقراء مواطن كثيرة في الشريعة اجتمعت على معنى واحد، فكان هذا المعنى معتبرًا في الاستدلال، وهو لم يؤخذ من نص معين، وإنما ثبتت ملائمته لتصرفات الشرع من أدلة كثيرة وعلم أنه مقصود للشرع من دلالة الكتاب والسنة.
ويبقى النظر - بعد ثبوت هذا الأصل الكلي - في شموله للمسألة السابقة وهي حد الشرب ..
فالشرب -كما قال علي - رضي الله عنه - وتابعه على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم - مظنة للقذف، فإن الشارب إذا سكر هذي ولم يدر ما يقول ومظنة ذلك وقوع القذف منه، فجلده ثمانين يحقق المصلحة الشرعية، وهي مصلحة ملائمة لتصرفات الشارع وداخلة تحت الأصل الكلي السابق المشهود له بأنه أصلي شرعي كلي ..
وهذه المصلحة وإن كانت مرسلة عن النص المعين الذي يشهد لعينها إلّا أنها ليست مرسلة عن مجموع النصوص التي شهدت لجنسها، فهي مصلحة معتبرة مشهود لها وليست ملغاة لأنها لا تعارض نصاً وليست مسكوتاً عنها (١).
فاعتبار الشارع المظنة مطلقاً في الأحكام - وهو أصل كلي قد شهد لجنس تلك المصلحة - وهي جلد الشارب ثمانين - بالاعتبار، فهو إذاً استدلال بمجموع نصوص شرعية.
---------------
(١) نظرية المصلحة ٧١ - ٧٢ - ٧٣ - ٧٤.

الصفحة 434