كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وهذا معنى أن المصلحة التي شهد لها أصل كلي بالاعتبار يعمل بها ..
وبهذا يتحقق الشمول عن هذا الطريق الشرعي في الاستدلال، وتأخذ الحادثة - التي لا يمكن إدخالها تحت نص معين، ولا أصل معين حكمها من مجموعة نصوص شرعية وذلك هو الأصل الكلي، ولا تبقى خالية عن حكم الشرع لعدم وجود نص معين فيها:
- قتل الجماعة بالواحد: إذا قتل جماعة متمالئون رجلًا قتلوا به، وهذا الحكم غير منصوص عليه في الشريعة، وإنما دخل تحت أصل كلي شرعي مأخوذ من نصوص كثيرة ..
بيان ذلك: أن "النفس نهي عن قتلها وجعل قتلها موجباً للقصاص متوعداً عليه، ومن كبائر الذنوب المقرونة بالشرك، كما كانت الصلاة مقرونة بالإِيمان، ووجب سد رمق المضطر، ووجبت الزكاة والمواساة والقيام على من لا يقدر على إصلاح نفسه، وأقيمت الحكام والقضاة والملوك لذلك، ورتبت الأجناد لقتال من رام قتل النفس، ووجب على الخائف من الموت سد رمقه بكل حلال وحرام من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى سائر ما ينضاف إلى هذا المعنى" (١).
هذا هو الأصل الكلي الذي دل على قتل الجماعة بالواحد، ومستنده المصلحة المرسلة، وبيان ذلك: إنا إذا لم نوجب قتلهم على اعتبار أن كل واحد قد قتل تحقيقاً، لم يبق إلا وجه المصلحة الشرعية وهي أن المقتول معصوم وقد قتل عمداً فلو لم نقتل الجماعة التي تمالأت على قتله لَخُرِم أصل القصاص، واجتمع النفر من الناس على القتل بغير الحق لأنهم في أمن من عقوبة القصاص (٢).
فالأدلة السابقة التي اجتمعت على إقامة هذا الأصل وهو وجوب المحافظة
---------------
(١) الموافقات ١/ ١٥.
(٢) الاعتصام ٢/ ١٢٥ - ٢٦ .. وانظر نظرية المصلحة ٨٧.

الصفحة 435