كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

حكم الله فيها، وردها إلى الشريعة الإِسلامية لتشملها بالعدل والرحمة.
فإذا تصورنا أن ثلث تلك الوقائع المتجددة يدخل تحت حكم النصوص المباشرة -كما تقدم معنا في دراسة العموم في الشريعة - وثلثها الثاني يدخل تحت حكم النصوص عن طريق قياس "العلة" وهذا ما تقدم بيانه في باب القياس، وثلثها الأخير يدخل تحت حكم النصوص عن طريق "قياس المصالح" فماذا بقي بعد ذلك؟.
ومن هنا ندرك الجواب عن شبهة طالما كثر ترديدها، حاصلها أن نصوص الشريعة محدودة متناهية، وحوادث الحياة والوقائع التي تتجدد غير متناهية.
وهذه المقالة على ما فيها من مخالفة للعلم اسْتعملت في موضعين:
الموضع الأول: استعملت فيه استعمالًا القصد منه مشروع وإن كان استعماله على هذا النحو الذي سنتحدث عنه غير مشروع، فالقصد مشروع والوسيلة بضده.
ومن أمثلة هذا الموضع: ما ذكر الجويني في كتابه البرهان حيث نص على أن الوقائع غير متناهية والنصوص متناهية (١).
وقد ذكر ذلك ليوطد به استدلاله على مشروعية القياس، فكأنه يقول: إذا كانت الوقائع لا تتناهى والنصوص تتناهى، والشريعة لا بد أن تحكم تلك الوقائع فلا سبيل - والحال كذلك - لإدخالها تحت حكم الشريعة إلّا عن طريق إعمال القياس، فالقياس ضروري.
وهذا قصد مشروع ولا شك، ولكني أخالفه في استعمال هذه الوسيلة، ولذلك لم أستند عليها لإثبات حجية القياس، لأن الأدلة التي في حوزتنا كافية وقوية ولا نحتاج إلى غيرها، وإذا ثبتت الحجية بها فقد تحقق المقصود بوسيلة مشروعة.
---------------
(١) ٢/ ٧٤٣.

الصفحة 437