كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ولو استقرت في عقول الباحثين وقلويهم لما نادى كثير منهم بتغيير الأحكام .. ولما حجر على الشريعة أن تحكم الدولة والاقتصاد والنظام الاجتماعي إلّا إذا تغيرت وتلبست بأحكام الجاهلية الحديثة.
فإذا وجدت في كتب الأصول عند المعتزلة أن العقل مصدر للتلقي .. وأن الشريعة لا تفيد العلم فما ذلك إلّا لغياب تلك العقيدة، فلو حجزوا أنفسهم عن تقرير أمور العقيدة بأهوائهم وأخذوها مسلمة من عند الله لكان خيراً لهم.
وإذا وجدت من المُحْدَثِينَ من يدعو إلى إبعاد الشريعة عن أمور الحياة كالدولة والاقتصاد .. فما ذلك إلا لغياب تلك العقيدة.
ونقتصر على هذه الأمثلة لبيان أهمية إدراك تلك العقيدة وأنه لا بد من التذكير بها والتزامها في منهج البحث العلمي لمن أراد أن يتعرف على الحق أو يجادل عنه بعد معرفته، بل ينبغي لكل إنسان أن يلتزم بمقتضياتها ومنها:
١ - التسليم المطلق بكل ماجاء به الوحي ممثلاً في هذه الشريعة التي بلغها رسول الإِسلام - عليه السلام -، مع الاعتقاد الجازم بأن كل حكم فيها هو العدل والحكمة والرحمة والخير.
٢ - الاحتكام إليها في جميع شؤون الحياة، والإذعان لها، بحيث لا يُقدمُ عليها منهج آخر في الحكم، مع المحافظة على أحكامها ومقاصدها من محاولة التغيير والتبديل بشبهة اتباع العقل أو العرف أو اختلاف الزمان والمكان.
٣ - الاعتقاد الجازم بأنها حجة على الخلق كافة في جميع شؤونهم في الدنيا والآخرة.
وأن كل ما ثبت منها حجة علينا لا نعارضه بهوى ولا نغيره بشبهة، ولا نقدم عليه شيئاً من أحكام البشر.
٤ - الاعتقاد الجازم بأن البشر أجمعين لا شأن لهم في وضع العقيدة ولا الشريعة ولا قدرة لهم على ذلك، وأن تدخلهم في هذا الأمر هو الشرك والانحراف والفتنة والمفسدة.

الصفحة 44