كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

والعملية وخلق لهم كوناً متشابهاً وقدّر التشابه على كل ما يقع في هذا الكون من تصرفات كونية وتصرفات بشرية وهذا من آياته سبحانه وهو من أدلة الإِعجاز، وأن هذه المخلوقات الكونية خلقتها إرادة واحدة هي إرادة الله، قال تعالى:
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (١).
ومن تأمل في ذلك تعرف على قدرة الله سبحانه وجميل حكمته وإبداع خلقه، وبهذا يتأكد ما قلته في أكثر من موضع - نقصد بذلك إيضاح هذه الحقيقة الكونية البشرية - فلا يبقى بعد لهذه المقالة من سبب يُروّج لها، فإن وقائع البشرية مهما تجددت وتعددت يمكن ربطها بأصول متشابهة محصورة ترجع إلى أجناس معلومة، وقد حدث ذلك في الجيل الأول لما دخل الناس في دين الله أفواجاً وانتشرت معهم وقائع كثيرة ترجع إلى أجناس معلومة وتكلم فيها الفقهاء وبينوا حكم الله فيها، ولذلك قال الإِمام أحمد بهذا الاعتبار ما من مسألة إلّا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها (٢). وذلك لتشابه المسائل الذي يرجع إلى تشابه الحياة والأحياء.
ولنزيّن هذا الموضع ببعض الأمثلة التي تؤكد لنا هذه الحقيقة ..
إن هذه البشرية ترجع إلى أصل واحد في المنشأ والمنهج، أب واحد وأم واحدة وخلقة واحدة بقدرات متشابهة في كون واحد لهدف واحد وهو إقامة الخلافة الربانية على الأرض - وذلك بأن تعمر الأرض بمنهج الله عقيدة وشريعة - الشريعة مسيطرة فيتحقق العدل، والعقيدة تجمع خير الدنيا والآخرة لمن أتاها طوعاً لا كرهاً.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (٣).
---------------
(١) سورة النحل: آية ٤٠.
(٢) مجموع الفتاوى ٩/ ٢٠٠.
(٣) سورة البقرة: آية ٢٥٦.

الصفحة 440