كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فلو أن الرجل الأوروبي والأمريكي اتبع هذه الشريعة وتخلق بأخلاقها وكذلك صنع الرجل الروسي والافريقي، هل ستختلف وقائعهم ومعاملاتهم مع أهليهم وجيرانهم ومجتمعاتهم في عالم القيم والأخلاق، أم لا بد أن تكون متشابهة لأنها مرتبطة بمنشأ واحد ومنهج واحد وهدف واحد.
هل الرجل منهم في مزرعته - في المجتمع الزراعي - سيختلف عن الرجل الآخر في تعامله مع قواعد العمل وضوابطه وأهدافه وأخلاقه؟ هل الرجل منهم في مصنعه - في المجتمع الصناعي - سيختلف عن الرجل الآخر في تعامله مع قواعد العمل وأهدافه وأخلاقه كلا! هل مسؤولية الرجل هنا أو هناك عن بيته، ومسؤولية امرأته عن بيتها ستختلف في دوافعها وضوابطها؟!
وقس على ذلك بقية جوانب الحياة ما يتصل منها بالأسرة إنشاء وحفظاً، وما يتصل منها بالعلم وتعمير الأرض، وما يتصل منها بأمور الجماعة - من حيث العلاقات العامة والخاصة - ولا يصعب تتبع بقية أمور الحياة إذا لاحظنا هذا التشابه في المنشأ والمنهج والكون ومهمة الإنسان، وإذا لم نلاحظ ذلك - حيث نفتقده في حياة أكثر البشر اليوم فلا علينا أن يقع ذلك الافتراق في تلك الأصول، ولا نعجب أن يصل الحال بالبشرية أن تفترق ذلك الافتراق العجيب وتختلف ذلك الاختلاف الكبير حتى أنها لتُقسّم في الحقيقة إلى أناسيّ ودواب، أناسيّ يعرفون وحدة منشأتهم ومنهجهم ويتعاملون مع هذا الكون لهدف محدد رباني تحكمه هذه الشريعة، ودواب تُشْبِهُ فيما تشبه تلك المخلوقات العجيبة التي تجمعها الغابات حتى لا تكاد تجد بينها شبهًا، وفيها جميع ملامح الحياة في الغابة من القوة والطغيان، والضعف والخور، والتكالب والتناحر، والانقسام على متاع الأرض، والختل والمكر، والخديعة والغدر، والاضطراب وعدم الشعور بالأمن وتوقع الهلكة كل حين، والعري والبهيمية، وكل سيء من الأخلاق، وكل ذلك مع انعدام المبادئ والأخلاق والعدل.
وكما لا يمكن لأحد أن ينظم غابة على مبادئ العدل والأخلاق السماوية - إلّا أن تستسلم تلك الوحوش المستنفرة - فكذلك لا يمكن أن تُنظم حياة

الصفحة 441