كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الأمم الكافرة على مبادئ هذه الشريعة إلّا أن تستلم لله وحده وتتبع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتتحاكم إلى هذه الشريعة وتحكم بها وترفض ما سواه (١)، ولعل هذا الذي أقوله هنا هو شيء من معنى قوله تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (٢).
نعم إن الأمم الكافرة أضل من الأنعام، لأن الأنعام خُلقت وجُبلت على ذلك كله فلا يُنتظر منها غير ذلك - وفيه من الحكمة ما فيه - أما هذه الأمم الكافرة فلم تُخلق لهذا بل خُلقت وتلك الثوابت في وحدة المنشأ والمنهج والمصير في هذا الكون الرحيب الفسيح الذي خُلق لها لتعمره بهذه الشريعة، ولكنها
---------------
(١) وهذا طريقه الإِيمان بالله وحده .. وهذا هو الأصل، وإن لم تؤمن وخضعت للحكم الإِسلامي كما صنع أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس شملتهم رحمة هذه الشريعة وعدلها في الدنيا وحسابهم على الله في الأخرة.
والبشرية في الحالين - سواء في حالة قبول العقيدة أو حالة الإِذعان للشريعة خاضعة للأحكام، طوعًا أو كرهًا، وحينئذ تعيش البشرية تحت عدل هذه الشريعة وتكون لحياتها خصائص محددة وطبائع متشابهة، وتغطي الشريعة جميع وقائع هذه الحياة كما يوجبه العدل الرباني، فلا البشرية تعيش حياة الغابة .. في حالة تمردها على المنهج الرباني، ولا هي تكون صاحبة السلطان بمبادئها وأحكامها المنحرفة، فتتحكم في المنهج الرباني، كا هو الحال في حاضر الأمم الكافرة، وتريد منه أن يضع لها أحكاماً تناسب شهواتها وحياتها المنحرفة، ويكون الاجتهاد حينئذ -كما سبق وأن قلنا - أداة لتلبية رغبات البشرية وشهواتها مع أنه في الحقيقة أداة لإقامة العدل الرباني في الأرض ورفع البشرية من الحضيض حتى تعيش هذا العدل وتسعد به، ولذلك فإن تصور حاكمية هذه الشريعة وثباتها وشمولها لا يمكن تطبيقه في واقع الأمر إلّا أن تكون البشرية في إحدى الحالتين السابقتين، أما ما سوى ذلك فإن البشرية تعيش حياة الغابة وتريد أن تنزل بالشريعة لتقرر لها شهواتها وانحرافها وما لذلك أنزلت هذه الشريعة.
(٢) سورة الأعراف: آية ١٧٩.

الصفحة 442