كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ولم يكن الانحراف ليقدر على سلخ البشرية من أصلها العقائدي سلخاً كاملًا، ولا على سلخها من أحكامه وقيمة وأخلاقه فبقي شيء غير قليل ينتقل بين أجيالها حتى مع تطور الشرك واتّباعه - بزعم المصلحة - وحتى مع تطور الظلم واحترافه - بدعوى المصلحة - مع ذلك كله بقي شيء غير قليل ينتقل مع الأجيال التي انحرفت عن "الإِسلام" دين الرسل جميعاً.
وإذا تذكرنا أن الفطرة البشرية مهما فسدت لا بد أن يكون لها أثر على سير خط الانسان، وإذا تذكرنا رغبة الإِنسان الذي يريد بها أن يزعم لنفسه أنه يعيش الحياة الصالحة ويحقق المصالح المشروعة (١).
إذا تذكرنا هذا وذاك استطعنا أن نعلل ذلك الانحراف البشري في العقيدة والشريعة الذي ما زال يتلون ويتدسس تحت عباءة الإِصلاح والتوفيق.
ومن هنا نشأت في البشرية مذاهب ونظم تزعم الإِصَلاح، ولأن الانحراف لا يقع على كل شيء، ولأن الفطرة لا يقع عليها الإِعدام الكامل، ولأن الرغبة في دعوى الإِصلاح والتستر به طبيعة كامنة في النفس البشرية لذلك كله نشأت تلك النظم وفيها بعض الجوانب الخيرة.
فالشيوعية فيها من الكفر والإِلحاد والظلم والِإرهاب والقسوة، ومع ذلك يأتي أولئك الذين لا يعلمون فيقولون إن المصلحة في النظام الاشتراكي، ألا ترى كيف يسوي الإِسلام بين الناس في الضرورات ... والرأسمالية يتراءى فيها جانب خيّر ضئيل مع ما فيها من الكفر والظلم، ظلم الانحراف عن المنهج الرباني - فيقول أولئك أيضاً أن المصلحة في هذا النظام ألا ترى للإسلام كيف حقق الحرية الاقتصادية.
وقس على ذلك الموقف من "الرهبانية" و"العقلانية"، وغير ذلك من المذاهب الفكرية والأنظمة التشريعية الوضعية.
---------------
(١) مثال ذلك ما صنعه الكفار قبل بعثة النبي - عليه الصلاة والسلام - حيث غيروا ملة أبينا إبراهيم - عليه السلام - وزعموا أنهم مصلحون وبها قائمون.

الصفحة 445