كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وهؤلاء الذين لا يعلمون لا نعجب أن يُخيّل إليهم أن هذه الشريعة لا يمكن تحديدها، بل يمكن أن يدخل فيها كل شيء، ولو علم هؤلاء طبيعة البشرية وأدركوا تلك الأحوال التي ذكرتها لما تخيلوا ما تخيلوه.
إن تخيّل المصالح وبدون ضابط من الشريعة يمنع تحقق العبودية ويوقع في الشبهات، إن العبرة ليست بتحقق جزء من الخير في جانب ما - ردة فعل لجانب آخر - في نظام من الأنظمة كلا، وإنما العبرة في تحقيق ذلك النظام لمهمة الخلافة في الأرض وسلامته من الفساد كله، وأبرز معالم الخلافة في الأرض التي أمر الله بها هي:
١ - تحقيق العبادة لله وحده بلا شريك.
٢ - تحقيق وحدة الجنس البشري بإقامة الأمة الواحدة.
٣ - تعمير الأرض وإقامة العدل الرباني فيها.
فهل يمكن أن يحقق هذا غير الشريعة الإِسلامية، كلا، إن البشرية حينئذ ستدرك وتعيش في الوقت نفسه وحدة المنشأ والمنهج والمصير، وستسقط تلك الأنظمة التي تتراءى فيها بعض المصالح، وسيعلم المنحرفون عن الشريعة الإِسلامية أن العقل لا يستقل بإدراك المصالح، ولو أمكنه لأخرج الوثنيين عن وثنيتهم، والشيوعيين عن إفكهم وظلمهم وإلحادهم، والرأسماليين عن إعراضهم عن العدل الرباني في الأرض، وعن صدهم عن سبيل كثيراً، ولأخرج اليهود من قوميتهم وحقدهم وكفرهم، ولأخرج الفرق الضالة قديماً وحديثًا عن تناقضها واختلافها ولحقق في النهاية إقامة الأمة الواحدة والعدل الرباني في الأرض، وهؤلاء وأولئك عقلاء بل وفيهم حكماء، فأين عقولهم من تحديد المصالح ودفع المفاسد.
إن هذه الشريعة جاءت لتحكم "العقل" البشري وتحقق للناس كافة جميع مصالحهم وتحول بينهم وبين أهواء عقولهم، فكيف ينقلب الأمر ليتحكم العقل المحدود بالزمان والمكان، المتصف بالبشرية والضعف وقصور العلم في هذه الشريعة التي لا يحدها زمان ولا مكان، وهي التي لم يسطّر فيها الأولون

الصفحة 446