كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

هو النسخ والتبديل المنهي عنهما كما سيأتي بيانه، وإن كانت الثانية فليست في موضع النزاع، لأنها حينئذ حادثتان متميزتان من حيث خصائصهما والاعتبارات التي تحفهما وحادثتان لهما حكمان ليس غريباً ولا عجيباً، ولا يقال له تغيّر ولا تبدل.
فإذا خرجت الثانية عن موضع البحث رجعنا لدراسة الأولى، وهي أساس القول ومحل النزاع والدعوى التي عنون لها أصحابها بقولهم: "تغيّر بعض الأحكام بتغير الزمان" ومقصدهم حادثة وواقعة لها حكم منصوص عليه أو مستنبط تغير حكمها في وقت آخر والحادثة هي الحادثة بجميع خصائصها واعتباراتها ..
فإن قيل كلا لا يتغير حكمها إن لم تتغير خصائصها واعتباراتها، قلت: فإذا تغيرت خصائصها واعتباراتها أصبحت حادثتين لا حادثة واحدة وهذه لا ينازع في اختلاف حكمهما أحد البتة.
ونرجع مرة أخرى لمحل النزاع وننظر في أدلة القائلين بالتغير بعد تصوير مذهبهم ..
وإنما قدمت بهذه المقدمة رجاء أن تُحدد نقطة البحث ويمسك القارئ القضية من أول خيط فيها، ونضرب مثالًا يوضح المقصود، فأقول: قتل زيد خالداً عمداً عدواناً فحكم هذه الحادثة أن زيداً عليه القصاص إن لم يعفوا أولياء الدم، تكررت هذه الحادثة بين رجلين آخرين بالصورة نفسها في أي عصر من العصور، يكون حينئذ الحكم هو القصاص إن لم يعفوا أولياء الدم.
فها هنا حادثتان بخصائص واحدة تحفهما اعتبارات واحدة أخذت حكماً واحداً، ولا سبيل لتغييره أبداً.
خذ الحادثة بطرفيها القاتل والمقتول وافرض وقوعها مرة أخرى لكن بدون عمد ولا عدوان، بل خطأ، يختلف الحكم حينئذ فلا قصاص بل دية مسلمة، ولكن الحادثتين ها هنا مختلفتان فاختلف حكمهما، في الأولى قصاص إن لم يعفوا

الصفحة 450