كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ومناط الآية ثابت إلى يوم القيامة، وهو: إعطاء المؤلفة قلوبهم ومنع غير المؤلفة، والتطبيق بحسب الواقعة والحال فأين التبديل والتغيير للحكم، بل أين الإِجماع على ذلك؟
فهذا المثال لا يثبت من دعوى المؤلف شيئاً، وهو مثال يكثر الباحثون من استعماله على الدعوى نفسها ..
وأضرب مثالاً آخر يوضح المقصود ولا أحد يخالف فيه إن شاء الله، فأقول: لو أن إنساناً وقف مالاً على الفقراء من طلبة العلم في مسجد معين وجعل لكل منهم قسماً محدداً، ثم إن الناظر أعطى الفقراء ومنع غير الفقراء فهل يعتبر مغيّراً لشرط الواقف ومطلبه، كلا.
ثم لو أن بعض هؤلاء الفقراء أصبح غنياً فارتفع عنه وصف الفقر، فلم يعطه الناظر شيئاً هل يعتبر قد غير من شرط الواقف أو مطلبه شيئاً؟ كلا.
ثم إن هؤلاء الذين ارتفع وصف الفقر عنهم، لو أنه عاد لهم، ثم عاد الناظر، فأعطاهم أفلا يكون ذلك عملاً بشرط الواقف وقصده؟
إن عمل عمر - رضي الله عنه - لا يعدو هذه الصورة، ولم يغير ولم يبدّل.
إذا عُلم ذلك فلا يجوز لمسلم أن يقول أن عمراً أوقف حكم الآية، ولا أنه ألغاه فالحكم هو الحكم، وعمر هو عمر الوقّاف عند كتاب الله - رضي الله عنه - وأرضاه ..
٢ - استدل على دعوى تغيّر الأحكام بتغير الزمان فقال: "مثال آخر: أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء الخروج إلى المساجد للصلاة كما رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات" (١).
---------------
(١) سنن داود رقم ٥٣٣، ومعنى تفلة أي غير متطيبة، وتفلة بفتح المثناة وكسر الفاء، وامرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح" فتح الباري ٢/ ٣٤٩.

الصفحة 463