كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

هذا ما كان في زمن رسول الله، ثم حدث بعد ذلك أن تغيرت حالة النساء وأحدثن ما لم يكن في عصر النبوة، حتى قالت عائشة - رضي الله عنها - ما رواه أبو داود: "لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل" قال: "فقد رأت أن ما حدث يقتضي تغيّر الحكم السابق حينما كان الصلاح عاماً والقلوب عامرة بالإِيمان، ولم يوجد الدخل في بعض النفوس فلو استمر الحكم مع تغير الحال لأدى إلى مفسدة عظيمة تزيد على ما يجلبه الخروج من المصلحة من تعليم الدين وإدراك فضل الجماعة ..
ثم ذكر محاورة بين عبد الله بن عمر وابن له رواها أبو داود: قال ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل" فقال ابن له والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلًا والله لا نأذن لهن!! فسبه وغضب، وقال: "أقول قال رسول الله: ائذنوا لهن وتقول: لا تأذن لهن" (١).
قال المؤلف: "ولا غرابة في موقف ابن عمر هذا فذلك موقفه غالباً إزاء النصوص فلم يكن من أهل المعاني عكس والده - رضي الله عنه -، وذاك ابنه قد سلك مسلك جده من اعتبار المعاني التي شرعت لها الأحكام فيشرح لوالده السبب مع قسمه بالله، فهل ترى أنه يقسم مرتين وهو يسمع قول رسول الله ويرى غضب والده عليه وسبه له من أجل المخالفة من غير فائدة؟ لا شيء إلّا أنه دين الله والمحافظة عليه بدفع المفاسد عنه.
فماذا يقول نفاة التعليل في هذا الموقف؟ لعلهم يتعلقون بأذيال ابن عمر!!! ويقولون مقالته وقد رأوا فساد الأخلاق عم كل مكان وتهتك النساء فاق كل حد وتنطع الشبان بلغ الغاية" (٢) ..
مناقشته: نسلم مع المؤلف الرد على نفاة التعليل ونعمل بالقياس والمصلحة التي شهد الشرع لها، ونسلم معه السعي للمحافظة على دين الله بدفع المفاسد عنه، ونخالفه في تحديد الطريق الذي يوصل إلى ذلك، وبيانه:
---------------
(١) سنن أبي داود رقم ٥٣٦، وتعليل الأحكام ٣٨ - ٣٩.
(٢) رسالة تعليل الأحكام ٣٩.

الصفحة 464