كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

١ - أن درء المفاسد مطلب شرعي وذلك للمحافظة على الدين، ولكن من أين نعلم أن هذا مفسدة؟ والجواب: من الشارع لأنه كما تقدم لا يستقل العقل بدرك المصلحة والمفسدة، فإذا قلنا هذا مفسدة فلا بد من شهادة الشرع لا نقول، وكذلك إذا قلنا أنه مصلحة.
٢ - موقف ابن عبد الله عمر يدل على أن الخروج إذا ترتب عليه مفسدة يمنع، وهذا لم يدركه بالعقل، بل شهد له الشرع.
وهذه الشهادة موجودة في النص نفسه، ألا ترى إلى اشتراط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعدم منع النساء من الخروج - خروجهن غير متزينات حيث قال: "ولكن ليخرجن تفلات" فإذا لم يتحقق الشرط وهو الخروج تفلات لا يؤذن لهن لأنهم لم يلتزمن به.
فمن منع من الخروج علم أن الخروج غير تفلات مفسدة بالنص ..
فالقول إذاً بأن هذا مفسدة ليس اعتماداً على العقل وإنما هو بشهادة الشرع ..
فلا يقال: "فقد رأيت أن ما حدث يقتضي تغير الحكم السابق" لأن الحكم السابق هو: عدم جواز منع النساء من الخروج إلى المساجد إذا خرجن نفلات وأما إذا لم يخرجن كذلك فقد تركن العمل بالشرط الذي يجيز الخروج لهن فيمنعن، وهذا حكم ثابت لم يتغير ولن يتغير إلى يوم القيامة ..
بقي تحقيق المناط هل هذه المرأة تفلة فتخرج أو غير تفلة فلا تخرج .. وهذا وإن تغير فليس هو الحكم .. وإذا تبين هذا سقطت دعوى المؤلف وغيره ممن يعتمد على هذه الآثار في القول بتغير الأحكام بتغير الزمان ..
بقي أن نشير هنا إلى خطأ المؤلف في تصويره لمذهب ابن عمر - رضي الله عنهما - حيث قال: "فماذا يقول نفاة التعليل في هذا الموقف، لعلهم يتعلقون بأذيال ابن عمر ويقولون مقالته" وهذا الكلام لا ينبغي أن يقال في حق أحد من
الصحابة، بل الواجب على كل مسلم التأدب معهم.

الصفحة 465