كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فأين اتباع مجرد المصلحة؟ وأين تغيّر الحكم؟ وليس في النص مخالفة لفعل رسول الله ولا لقوله، ولا يجوز تسميته مخالفة لا في موضع الحجاج ولا في غيره ..
ومن الأسباب التي حملت المؤلف على الدخول في هذه الإطلاقات هو أنه يقارن بين طرفين: الأول القول بإثبات التعليل، والثاني القول بنفيه، وينتصر للطرف الأول دون أن يلتزم بشروطه، فإن مثبتي التعليل من أهل السنّة لا يتبعون مجرد المصلحة وإنما يشترطون أن تكون هذه المصلحة التي يجب اتباعها مصلحة لم يشهد الشارع بردها، فلا بد أن تعرض عليه فينظر فيها أيقبلها أم لا؟
فهم يعللون الأحكام ويعتبرون النظير بالنظير ويعملون بالمصالح المرسلة وهم مجمعون بعد ذلك على رد كل مصلحة لا يقبلها الشرع.
والمؤلف غفل عن هذا وانتصر لمبدأ التعليل، وأدخل معه - شعر أم لم يشعر بخطورة ذلك - قوله "وإن بعض الأحكام يتبع المصلحة".
والواجب أن يقيدها بالقيد الذي اتفق عليه القائلون بالتعليل، أما أن يطلقها هكذا من غير قيد ثم يرتب على ذلك أن بعض الأحكام تتغير بتغيّر الزمان، وأن الصحابة كانوا يبدّلون هذه الأحكام وأنهم مجمعون على ذلك، فذلك أمر لم يثبته بعد، ولا يمكن لأحد أن يثبته لوضوح بطلانه وفساده.
٤ - حد السارق: "يروي لنا مالك في الموطأ بسنده عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطبـ "أن غلمة لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر أراك تجيعهم، ثم قال: والله لأغرمنك غرماً يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم، فقال عمر: اعطه ثمانمائة درهم" (١).
"وقد روى ابن وهب هذا الأثر في موطئه مفسراً وفيه: فأمر كثير بن
---------------
(١) تنوير الحوالك شرح الموطأ ٢/ ٢٢٠.

الصفحة 470