كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فلم يأذن لهم وأمر الناس أن يتصدقوا عليهم، و"توالى المشي ربما أدى إلى الهلاك" (١).
وما فعله عمر إنما هو بيان لحقيقة المسألة، فلما ذكرها للرسول - صلى الله عليه وسلم - بين حكمها وأمر الناس بالصدقة، فأين المعارضة؟
ثم إننا قد علمنا من السنة في مواضع كثيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشاور أصحابه، فيبينون له حاجتهم واستفساراتهم ثم يجيب عليها حسب الواقعة، ثم إذا تجدد له علم بحقيقة الواقعة بين حكمها بحسب ما يتجدد له، وهذه القصة التي معنا من هذا الباب وهي تدل -كما قال ابن حجر على جواز المشورة على الإِمام بالمصلحة وإن لم تتقدم منه الاستشارة (٢).
ألم تر إلى منزله - صلى الله عليه وسلم - في بدر حيث بين له بعض أصحابه أن هذا لا يصلح منزلًا لقتال القوم فأمر رسول الله باتخاذ منزل آخر، ولم يكن في قول الحباب بن المنذر معارضة لرسول الله.
وكذلك قصة تأبير النخل فإنه أمرهم أن لا يؤبروا النخل، لظنه أن ذلك لا ينفعه فلما علم أن النخل لم يثمر فاشتكى له أصحابه أجاز لهم ذلك وأخبرهم أنه لا يعلم بحقيقة الواقعة حيث قال أنتم أعلم بأمور دنياكم، وهذه الحوادث مشهورة معلومة .. وكذلك ما نحن فيه لم يعلم - عليه الصلاة والسلام - بأنهم إذا نحروا إبلهم لا يبقى لهم شيء، فلما علم أمر لهم بالصدقة.
وفي هذه الحادثة نفسها لو أن رسول الله أمر بذبح الإِبل - بعد أن بين له عمر أنه لا يبقى لهم شيء - لَمَا عارضه أحد من الصحابة، فكيف يتصور أحد أن في هذا معارضة ..
ومن المعلوم أن المفتي قد يفهم الواقعة التي اسْتُفْتيَ فيها على غير وجهها - إما لعدم العلم بحقيقتها أصلًا أولعدم وضوحها - ثم يفتي فيها بحسب
---------------
(١) فتح الباري ٦/ ١٣٠.
(٢) فتح الباري ٦/ ١٣٠.

الصفحة 475